بعد الذروة

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوسط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي ريفلين.-( ا ف ب )
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوسط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي ريفلين.-( ا ف ب )

معاريف

شلومو شمير  30/11/2018

نشر هذا الاسبوع تأبين رسمي لفرص خطة السلام للرئيس الأميركي دونالد ترامب. المدهش هو أن احتفال هذا التأبين كان على مبادرة لم تولد بعد والمؤبن كان من هو شريك في مساعي توليدها. فتصريح سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان بان الخطة ستنشر "حين تتوصل الإدارة إلى الاستنتاج بان احتمال قبولها وتنفيذها يصل إلى الذروة"، كان دليلا خالدا على أن الخطة لن تنشر في المستقبل المنظور ومشكوك جدا أن تقدم على الاطلاق. اقواله أيضا كشفت السفير المحترم ليس فقط كمن ليس له تجربة دبلوماسية بل وأيضا كمن لا يفهم الواقع السياسي المعقد في الدولة التي يخدمها فيها كممثل لبلاده. اضافة اعلان
ليس هكذا يتحدث سفير – بل وعلنا – عن مبادرة سلام ينظر اليها رئيسه لانها صفقة القرن، وفي البيت الابيض يعملون عليها منذ سنتين، وهو نفسه ضمن الفريق المكلف ببلورتها وصياغتها. فما معنى "احتمال قبولها يصل إلى الذروة"؟ عن أي ذروة يتحدث السفير فريدمان؟ أن يهمس وزير التعليم نفتالي بينيت ووزيرة القضاء آييلت شكيد في اذنيه بانهما مستعدان للموافقة على بند في الخطة يقول إن القدس ستكون عاصمة مشتركة لإسرائيل والشعب الفلسطيني؟ فالوزيرة شكيد سبق أن قالت في خطابها في مؤتمر "جيروزاليم بوست" ان الرئيس ترامب يضيع وقته في اعداد الخطة". ولعل السفير فريدمان يتوقع ان تتضمن امكانية قبول الخطة ليس فقط رئيس السلطة أبو مازن بل وأيضا قيادة حماس بان تعلن مسبقا تأييدها لها. هذه بالفعل ستكون ذروة، ولكنها هاذية وغير واقعية.
توجد "ذروة" اخرى امكانيتها قائمة بالذات في بلاد السفير فريدمان. ولكن يبدو أنه ليس واعيا لوجودها: موافقة معلنة من قيادة الافنجيليين في الولايات المتحدة على مبادرة سلام لا يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حبيب قلبهم.
إلى الفريق الذي يعنى ببلورة الخطة انضم مؤخرا كمستشارين، وزير الخارجية مايك بومباو ومستشار الأمن القومي جون بولتون. ولكن ما لا يعرفه فريدمان في مكانة اقامته في إسرائيل على ما يبدو هو أن بومباو يتحفظ من نشر الخطة ويطلب تأجيل عرضها إلى موعد غير محدد. بومباو، الذي عارض في حينه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، يتطلع إلى سياسة خارجية شرق اوسطية متوازنة. جون بولتون لا يحب خطة السلام انطلاقا من عطفه الثابت على إسرائيل ومعرفته بان رئيس الوزراء نتنياهو، موضع اعجابه يتطلع إلى الحفاظ على الوضع الراهن الحالي في العلاقات غير العلاقات مع الطرف الفلسطيني. بولتون هو الرجل الاخير في واشنطن وفي الإدارة الذي سيؤيد خطوة من المتوقع لإسرائيل أن تعارضها أو حتى تتحفظ منها.
يهود كبار في الجالية ممن يتماثلون كمن يقيمون علاقات مع محافل في قيادة البيت الابيض ويطورون علاقات قرب مع نتنياهو، يبلغون في محادثات خاصة بان رئيس الوزراء شدد مؤخرا معارضته لخطة السلام، وتخوفه من نشرها أصبح لديه كابوسا. "توصل نتنياهو إلى الاستنتاج بان كل خطة، حتى وان كانت في قسم منها تميل إلى إسرائيل ستصبح عاملا يهدد سلامة الائتلاف الذي يوجد على أي حال في وضع مهزوز"، قال رئيس منظمة يهودية مركزية سابق.
تدعي محافل دبلوماسية في مركز الأمم المتحدة في نيويورك ومحللون في واشنطن بان الرئيس ترامب فقد مؤخرا حماسته لمبادرة السلام. وزعم في أحاديث خاصة انه رغم تغريداته المؤيدة للخطة، بدأ الرئيس يفهم بان هذا مشروع معقد جدا من شأنه أن يتسبب له بالاحراجات. "لقد استوعب الرئيس تناقضا داخليا صعبا بالنسبة له في الحاحية الخطة"، قال خبير في شؤون الشرق الاوسط. "إذا كانت الخطة تميل تماما لصالح إسرائيل ونتنياهو يحبها، فإن اللاعبين العرب ذوي الصلة سيرفضونها رفضا تاما. وإذا كانت الخطة متوازنة، فالرئيس سيكون ملزما بان يتنازع عليها ليس فقط مع أبو مازن بل ومع نتنياهو أيضا. وترامب سيفكر 10 مرات إذا كان مستعدا لان يخاطر بتأييد 80 مليون افنجيلي في أميركا".
التقدير هو أن ترامب سينتظر فرصة تبدو في نظره مناسبة لنشر خطة السلام، ولكنه لن يقاتل في سبيل تقدمها. فهو سيكتفي بنشرها وبالانكشاف الإعلامي الذي يحبه جدا. "بالاجمال يريد الرئيس بكل قلبه ان يحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين"، قال مسؤول يهودي تولى في الماضي منصب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية. "ولكنه ارتكب خطأ جسيما وكلف ببلورة الخطة وتصميمها طاقما عديم كل خلفية وتجربة سياسية، عديم كل معرفة لواقع الشرق الاوسط وعديم الفهم للقوى في الساحة المدنية. مع طاقم مهني، جيد وخبير إلى جانب رئيس مفعم بشكل مهووس بالتطلع على تقدم السلام – كان يمكن تحقيق نتائج جيدة على الارض منذ زمن بعيد.
كل رئيس وإدارة أميركيين في العقود الخمسة الأخيرة فشلوا في مساعيهم للتوسط بين الطرفين المشاركين وحملهما إلى اتفاق حول حل سياسي. ولكن خطة السلام للرئيس ترامب فشلت حتى قبل أن تخرج إلى هواء العالم، وفرصها هزيلة قبل أن نعرف بوضوح ما الذي يوجد فيها. هذه ذروة لا بد أن السفير فريدمان بالطبع لم يحلم بها.