بعد القذافي.. كيف يساعد الغرب على بناء ليبيا؟

منشآت نفطية ليبية تحترق أثناء المعارك بين الثوار وكتائب القذافي - (أرشيفية)
منشآت نفطية ليبية تحترق أثناء المعارك بين الثوار وكتائب القذافي - (أرشيفية)

ترجمة: مدني قصري

جون إيف مواسورون - (لوموند) 2011/8/23
لا شك أن انتصار الثورة قبل نهاية شهر رمضان يمثل واحدة من المفاجآت التي يقدّمها القذافي قبل رحيله. فعلى العكس مما كان متوقعاً، استسلمت العاصمة الليبية للثوار على حين غرة بسبب انهيارٍ كامل للقوات التي كانت ما تزال تحيط بعشيرة القذافي والموالين له. لكن هذا الانتصار ليس انتصاراً نهائياً للديمقراطية في ليبيا، إذ تبقى هناك إعادة إعمار البلاد إعمارا كاملا.
ويبدو الوضع على الصعيد الاقتصادي معقداً وكارثياً: فالبنية التحتية للبلاد مدمرة، والطرق ملغمة، والمدن منهوبة. أما الأنشطة البترولية التي تمثل مصدر الدخل الخارجي الوحيد للبلاد، فهي معطلة. وإذا كانت حقول استخراج هذا المصدر لم يطلها الدمار والخراب، فقد تعرضت الموانئ التي تؤمّن صادرات الذهب الأسود، لكثير من الأضرار.
أما النشاطات الاقتصادية الأخرى، ولا سيما الخدمات (التجارة، النقل، البناء) فقد أصابها ارتباك واسع بسبب الاشتباكات المستمرة. ويضاف إلى كل هذا الرحيل المكثف لأكثر من مليون من العمال الأجانب: تونسيون، ومصريون، وسواحليون، وعمال قادمون من جنوب الصحراء الأفريقية، والذين كانوا يديرون الاقتصاد الليبي.
وهكذا، لم يكن الصراع الذي دار خلال الشهور الستة الأخيرة يخدم الوضع الاقتصادي الذي كان سيئاً للغاية، حتى قبل الثورة. فقد ضاعفت الأزمة المالية العالمية في العام 2008 التآكل البطيء والدائم لدولة الرفاه والمداخيل البترولية خلال العقد الأخير. وتفسر انهيار النظام الذي أقامه القذافي أزمة اقتصادية ما تزال أسبابها قائمة: غياب التنوع الاقتصادي، واختلال أوضاع الأقاليم من برقة إلى طرابلس، وتضخم القطاع البترولي، والتبعية الغذائية.
بعد إنجاز الشق العسكري من الثورة، فإن المشروع الرئيسي الآخر هو إعادة البناء السياسي للبلاد. وقد أتاح انهيار طرابلس السريع بالفعل تفادي دخول البلاد في حمام من الدم لم يكن من السهل الخروج منه. ويسمح الانتصار على القذافي بإعادة اللحمة، مؤقتاً، بين القوى السياسية، في مشروع ديمقراطي مشترك سيكون الوسيلة الفعالة لإقصاء كامل النظام الديمقراطي إقصاء كاملاً.
لكن حالة الحظوة التي ينعم بها المجلس الوطني الانتقالي في أعقاب انتصاره لن تدوم طويلاً. فهو لا يملك سوى بضعة أشهر من أجل بناء ميثاق جديد قادر على تأمين الوحدة السياسية في البلاد، ثم إن عناصر تفكك المجتمع الليبي ما تزال قائمة. وعلينا بأن لا ننسى البُعد القبلي للمجتمع الليبي. ولا شك أن انشقاق عبد السلام جلود عن النظام يوم الجمعة 19 آب (أغسطس)، وهو الذي ظل لفترة زمنية طويلة الرجل رقم اثنين في النظام، يسجل بشكل من الأشكال نهاية التحالف الذي كان قد أنشاه القذافي مع قبيلة المقارحة منذ المراحل الأولى من الصراع.
وفضلاً عن ذلك، تبقى جغرافية ليبيا بدورها منطوية على إمكانية انفجار إقليمي محتمل بين طرابلس وبرقة. وسوف يترك صراع الشهور الستة الأخيرة آثاراً عميقة قد تتفاقم إذا لم يتحقق وفاق سياسي على وجه السرعة. وقد تزداد تداعيات أي صراع محتمل خطورة، لا سيما وأن جزءاً كبيراً من الشعب الليبي بات اليوم مسلحاً تسليحاً ثقيلاً.
سوف تكون إعادة البناء الديمقراطي في ليبيا حساسة للغاية، لا سيما وأن الإرث الذي سيتركه القذافي في مجال هيئات الدولة هو إرث هش للغاية. وكانت سلطة القائد تستند بالفعل إلى القدرة على إدارة الصراعات إدارة مباشرة، بتجاوز كل هيئات الدولة، والاعتماد على شبكات من العلاقات الشخصية القائمة على الولاء للسيد والتبعية له.
وبهذا، يظل أمر البناء الديمقراطي تحدياً عظيماً، خصوصا وأنه لا يستند في ليبيا على أي أعراف تاريخية. وهنا تتبين ضرورة التعاون الدولي من أجل وضع الأسس المؤسساتية لدولة حقيقية.
لا بد إذن من الشروع بالبناء في ليبيا. وتجد فرنسا التي أثبتت دعمها القوي للثوار، تجد نفسها اليوم في وضع يؤهلها للمشاركة في إعادة البناء هذه. وينبغي أن تعمل الصلات السياسية الوثيقة مع المجلس الوطني الانتقالي، وكذلك الهالة التي تتمتع بها فرنسا لدى الشعب الليبي، ينبغي أن تعمل على تسهيل مشاركة المؤسسات الفرنسية في الفترة الجديدة.
وما أكثر القطاعات التي يمكن أن تشارك فيها فرنسا، فهناك قطاع البناء، وقطاع الأعمال، والاتصالات، والنقل الجوي، والنقل بالسكك الحديدية. كما يمكن تنمية قطاعات جديدة كالسياحة، وبصورة مذهلة، خلال العقدين المقبلين.
وهكذا، فإن التواجد المناسب والسريع للمؤسسات الفرنسية هو أمر من الأهمية بمكان في ليبيا الديمقراطية المتمعة بنظام مستقر، والحريصة على أن تقيم تواصلاً اقتصادياً مستمراً مع جارتيها المباشرتين؛ تونس ومصر. وبذلك سوف تتغير جغرافية التجارة المتوسطية تغيّراً جذرياً.
ولذلك، يتعين على فرنسا وأوروبا أن تشرعا منذ الآن في وضع سياسة تعاون طموح مع ليبيا، ولا سيما على الصعيد العلمي والثقافي والتربوي. وتبقى فكرة تحقيق شراكة أورو-متوسطية جديدة، أو وحدة من أجل المتوسط بصياغة جديدة، فكرة يمكن أن تستعيد كل دلالتها، وأن تسهم في نمو المنطقة برمتها.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Après Kadhafi, tout reste à faire

اضافة اعلان

[email protected]