بعد انقطاع دام شهرين.. كيف يتأقلم الموظف مع العودة لمقر العمل؟

العمل في ظل جائحة كورونا
العمل في ظل جائحة كورونا

منى أبوحمور

عمان- جاءت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول لمواجهة انتشار فيروس كورونا، ليكون في مقدمتها العمل عن بعد لبعض الوظائف التي يمكن تأدية مهامها من المنزل.اضافة اعلان
لم يعتد كثيرون على هذه الإجراءات في بداية الأمر، لكن أصبحوا مضطرين إلى التكيف تدريجيا مع الأوضاع الجديدة، لحين تضاؤل انتشار المرض والسيطرة عليه وعودة الأمور كما كانت عليه سابقا.
لكن الأزمة على ما يبدو، جعلت الكثير من الموظفين يتكيفون على العمل من المنزل، بل وجد البعض صعوبة بكيفية العودة للعمل بشكله الطبيعي مرة أخرى، وهو ما كشفت عنه خبيرة في علم نفس الصحة المهنية.
وقالت بولا بروغ أستاذة علم النفس بجامعة جريفيث في أستراليا إن التغيير المفاجئ من العمل في المنزل إلى العمل في مكاتب بوسط المدينة قد يثير صدمة ثقافية بين الموظفين.
هذا ما يخشاه العديدون عند العودة للعمل بعد انقطاع عن العمل دام شهرين وجد كثيرون منهم ميولا في العمل عن بعد وبدأ التأقلم مع ساعات يومهم بناء على ذلك. وفي الوقت ذاته لم يستطع العديدون التعامل مع فكرة العمل منزليا، مع كثرة الضغوطات والالتزامات المرافقة لذلك، وبانتظار أن تعود طاقاتهم بالعمل كما كانت وإنجاز كل مهامهم في المكاتب مثلما اعتادوا سابقا.
أحمد المحتسب أحد العاملين يشعر بقلق من العودة للعمل مجددا، لاسيما في ظل الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة لضمان عدم تفشي وباء كورونا مرة أخرى.
ويقول "كلما اقترب موعد العودة إلى العمل تربكني الفكرة وكأنني سأعمل للمرة الأولى في حياتي"، متسائلا "هل ستعود الحياة كما كانت عليه سابقا ونمضي ساعات العمل كالسابق؟".
في حين أن مجرد التفكير في الخروج من المنزل والعودة للدوام يخلق حالة كبيرة من التوتر بالنسبة لرانيا محمد رغم أنها لم تنقطع عن العمل طوال الفترة الماضية عن طريق العمل عن بعد.
وتقول "فترة الانقطاع عن الذهاب إلى العمل الطويلة والاستمرار به من خلال المنزل جعلتنا نتكيف مع الوضع الجديد"، لافتة إلى أن الخوف بالنسبة لها ليس من العمل عن بعد بقدر فكرة الخروج مرة أخرى من المنزل إلى المكتب، واستطاعتها تأدية واجباتها المهنية كما كانت.
في حين يرى جميل عابدين أن التحديات الكبيرة التي ستحيط ببيئة العمل الجديدة التي فرضتها تداعيات كورونا أوجدت حالة من التوتر والقلق لدى معظم العاملين، خصوصا مع الخوف من أن يبقى المرض حاضرا بقوة انتشاره، متسائلا "هل ستكون العودة إلى العمل مجددا سهلة بحيث نجلس على مكاتبنا ونعمل كما كنا سابقا؟". ويبين أنه على المستوى الشخصي ينتظر فترة ما بعد عيد الفطر، حتى يعود لوظيفته ومكتبه ويؤدي كل واجباته، وإن كان هنالك بعض الصعوبات في البداية، إلا أنه سيكون أفضل بكثير من الأوضاع الحالية والضغوطات التي يفرضها الوجود الدائم في المنزل.
أخصائي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، يبين بدوره أن السلوك الإنساني يتبع المعطيات العامة في الأجواء الاجتماعية أو الظروف المحيطة بالحدث، وبالتالي فإن أزمة كورونا تسببت بالمكوث في البيوت والانقطاع عن العمل لفترة طويلة، مما ولد حالة من التكيف الداخلي للبقاء في المنزل وخلق نمطا حياتيا أسريا مختلفا.
ورغم شوق الكثيرين للخروج والعودة إلى العمل، وفق مطارنة، إلا أن في بدايتها سيكون هناك حالة من عدم الاستقرار النفسي والسلوكي بمعنى أن الشخص سيذهب للعمل، وبالتالي يتغير نمط حياة دام لأكثر من شهرين، سواء بمواعيد النوم والسهر أو العمل، وأول مشكلة ستكون هي الاستيقاظ مبكرا.
إلى ذلك، فإن الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة عند العودة للعمل كارتداء الكمامات والقفازات وضرورة الحفاظ على التباعد الاجتماعي ومسافة الأمان بين الموظفين وشروط الصحة والسلامة العامة، ستفرض على الموظف نوعا من القيود لم يعتد عليه.
ويضيف "سيجد الموظف نفسه في المراحل الأولى بحالة من عدم التأقلم مع جو العمل والقيام بالمهام المطلوبة منه"، لافتا إلى أن تراجع كفاءة الموظف ونشاطه وحيويته يظهر بالبدايات، وينتهي بعد ذلك.
ويجد مطارنة ضرورة العودة للعمل بشكل تدريجي وإعطاء المساحة للموظف للعمل، بحيث لا يكون هناك ضغطوات كبيرة أو إجراءات حازمة، خصوصا مع بداية الدوام حتى يستطيع الموظف العودة تدريجيا، ويبدأ يتقبل نفسيا وجسديا وذهنيا النمط الجديد في العمل.
ويتابع "في البداية سيكون هناك صعوبة كبيرة في التكيف، ولكن خلال أسبوع من الدوام تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي ويبدأ الموظف يتقبل عودته تدريجيا".
ظروف العمل بشكل عام سيرافقها في البداية ضغط نفسي، وفي مطارنة؛ إذ أوجدت جائحة كورونا بيئة مليئة بالقيود سواء على صعيد العمل أو الأسرة والبيئة الاجتماعية، الأمر الذي يغلب التأقلم الذاتي، وهذا يتطلب من المؤسسات توفير أجواء أكثر راحة والمرونة في التعامل مع الموظفين وخلق أجواء ممتعة في العمل، وإلا سيقع الموظف تحت ضغط نفسي كبير.
ووفق أخصائي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان، فإن الانقطاع الطويل عن العمل، كان مختلفا، بل هو غير مسبوق من حيث السبب، وهو ضمن الإجراءات الوقائية للتعامل مع وباء كورونا، وتعطيل العمل لأسبوعين في المرة الأولى ولد شعورا بالقلق وربما الخوف، خصوصا أن الإعلان كان قبل ساعات من موعد بدء تطبيقه.
وكان تمديد التوقف عن العمل أكثر وقعا على النفوس، يقول سرحان، خصوصا مع عدم معرفة الكثيرين متى سينتهي هذا الوضع القسري مع زيادة الرغبة بإنهاء هذا الوضع وكأن الارتياح والفرح عند إعلان عودة العمل، في ظل عدم تسجيل أعداد كبيرة من المصابين.
ويشير سرحان إلى أن العودة للعمل بعد الانقطاع الطويل ربما تكون مربكة للكثير من العاملين والعاملات، لاسيما في ظل عدم معرفتهم بآلية العمل الجديدة بعد تداعيات أزمة كورونا.
وينوه سرحان إلى أنه من جهة أخرى فإن العودة للعمل تعني أن الحياة في البلاد بدأت تعود إلى طبيعتها، بما يحمله ذلك من دلالات، في مقدمتها أن الوضع الصحي جيد، وأن الوباء مسيطر عليه، وهو عامل مطمئن للجميع.
ويضيف أن العودة للعمل تسمح بالتقاء الزملاء الذين ابتعدوا عن بعضهم بعضا قسريا وفي ظروف لم تكن معلومة النتيجة، وذلك له أثر كبير في النفوس، كذلك الإنجاز وخدمة الآخرين، والمشاركة في تحمل المسؤولية خصوصا في هذا الوقت.
والعودة إلى العمل تعني، من وجهة نظر سرحان، التخفيف من الضرر، والتفاؤل بأن الأردن بدأ بتجاوز مرحلة حساسة، مع ذلك يجب أن لا ينسينا ذلك أن الوباء لم ينته وأن الخطر ما يزال قائما، والعودة تتطلب الحذر والاستمرار في إجراءات الوقاية، خصوصا التباعد الجسدي، حتى يستمر العمل ولا يتوقف لا قدر الله.
ويذهب إلى أن المسؤولية مضاعفة، و"ابتعادنا عن أماكن العمل لم يضعف علاقات الزملاء، بل زاد من متانتها وعمقها"، كما أن العودة إلى العمل تساعد على إنجاز المعاملات التي توقفت، وهي تحقق مصالح شريحة كبيرة من أبناء المجتمع وتسهم في تعافي الاقتصاد وتحسن الوضع المالي للجميع.