بعد بنغازي: هل عادت "القاعدة"؟

فريد زكريا — (مجلة تايم) 15/10/2012

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

بينما كنت أحاول فهم عمل غريب أقدمت عليه الحكومة الأميركية، وجدت أنه عادة ما يفسر أفضل ما يكون على أنه عدم كفاءة أكثر من كونه مؤامرة. وقد ادعى الجمهوريون بأن إدارة أوباما خدعت الجمهور الأميركي عن قصد فيما يتعلق بالهجوم الإرهابي في بنغازي، عندما وصفته بأنه انتفاضة رعاع تلقائية، وليس عملية مخططة. لكن الإدارة لو علمت منذ البداية بأنه كان هجوماً إرهابياً، فهل تكون اعتقدت حقاً بأن بإمكانها إخفاء ذلك عن العالم، وبأن الحكومة الليبية لن تجري أي تحقيقات، وبأنه لن يكون ثمة شهود عيان في مكان عام حيث احتشد المئات؟ لعل التفسير الأكثر قبولاً هو أنه في الفوضى العارمة التي أعقبت الهجوم، أقدمت الإدارة –بشكل متسرع جداً ومن دون تحليل مناسب— على نشر التقارير التي كانت تتلقاها. وهذا عمل أخرق، لكنه ليس خيانة.
لعل الموضوع الأكبر الذي يثيره الهجوم مع ذلك، والذي يصلح لأن يكون لعبة عادلة لحوار حملة انتخابية، هو ما الذي تقوله لنا التطورات في بنغازي عن التنظيمات الإرهابية، وبشكل خاص عن القاعدة. بعد أعوام من التراجع، هل عادت القاعدة؟
في أعقاب 11/9، أحسسنا جميعاً بالقلق من انتشار القاعدة وأيديولوجيتها. وكانت هناك هجمات في بالي ومدريد ولندن والرياض وإستانبول. لكن الحكومات حول العالم شرعت في النظر إلى المجموعة بعين الجد في الحقيقة، فأخذت في تعقب أموالها وفي ملاحقة أشخاصها وفي مهاجمة قواعدها. وسرعان ما أصبحت القاعدة غير قادرة على تنفيذ عمليات تحمل بصماتها —ضد أهداف أميركية عالية القيمة، مثل السفن والسفارات والمنشآت الحكومية الأخرى. وعليه، وبدلاً من أن تضرب حيثما أرادت، هاجمت القاعدة —أو المجموعات التي تعمل باسمها— حيثما كان الهجوم ممكناً. ويعني هذا النوادي الليلية ودور المقاهي ومحطات القطارات والفنادق. ويعني أيضاً قتل المواطنين المحليين غير الأميركيين. وفجأة، شرع المسلمون الذين لم يكونوا مغرمين كثيراً بالقاعدة، في النأي بأنفسهم عنها، وخاصة في أماكن مثل العربية السعودية التي كانت تقدم مصادر حاسمة لتمويل المجموعة.
وفي الأثناء، تكثف الضغط. وفعّلت ادارة اوباما، بشكل درامي، أنشطة مكافحة الإرهاب في أفغانستان —والأكثر أهمية في باكستان— ودمرت القيادة العليا للتنظيم، بما في ذلك أسامة بن لادن طبعاً. وفي مواجهة هذه الحملة، تشظت القاعدة ولم تعد مجموعة متصلة ومسيطراً عليها مركزياً، وتحولت إلى علامة تجارية أكثر منها أي شيء آخر، مقرضة اسمها —وربما القليل من الخبرة والبراعة- لمتشددين في بلدان أخرى. لكن ثمة، مع ذلك، إفراط في الرد على هذه الفروع الجديدة للقاعدة. ولنتذكر كلمات بن لادن: "كل ما علينا فعله هو إرسال اثنين من المجاهدين إلى أقصى نقطة شرقاً ليرفعا قطعة قماش مكتوباً عليها كلمة القاعدة، لجعل الجنرالات يتسابقون إلى المكان وجعل أميركا تعاني من خسائر بشرية واقتصادية وسياسية".
كانت أقوى هذه المجموعات الجديدة هي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية المتمركز في اليمن. وتفرعت في الأثناء فروع جديدة في الصومال ومالي، وربما الآن في ليبيا. ويبدو أن للمجموعة التي يظهر أنها خططت لهجوم بنغازي ارتباطا وثيقا بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وليس مع تنظيم القاعدة المركزي. وفي كل هذه الحالات مع ذلك، تتبع المتشددون مساراً مشابهاً: اعثر على دولة ضعيفة واعمل داخل أراضيها، وازعم بأنك على صلة بالقاعدة. والدرس المستقى من ليبيا هو أنها عندما تفشل الدول، ينجح الإرهابيون.
 لكن هذه المجموعات عندما تصعد، فإنها تتعرض للنار، وليس فقط من جانب الولايات المتحدة. وبعد هجوم شنته الحكومة اليمنية، خسرت القاعدة في شبه الجزيرة العربية حصنها في جنوب ذلك البلد. وشرعت الحكومة الصومالية، سوية مع قوات كينيا المجاورة، في محاربة الجهاديين الصوماليين الذين نشأوا في البلد. وفيما تنمو القاعدة في المغرب الإسلامي، فإنها ستجد نفسها تحت الضغط. وقال لي مسؤول أميركي رفيع المستوى إن فرنسا حددت هذه المجموعة —التي تنشط في المستعمرات الفرنسية السابقة— على أنها تشكل التهديد الأمني القومي رقم واحد لفرنسا.
والسبب الرئيس الذي يجعل القاعدة تواجه مستقبلاً ينطوي على تحدٍ أكبر هو الربيع العربي. فقد ظهرت القاعدة إلى الوجود كحركة راديكالية معارضة للحكومات القمعية (والعلمانية). وهي راهناً تواجه العديد من الحكومات الديمقراطية (والإسلامية بعض الشيء). ويضم أولئك الذين يدينون القاعدة وأيديولوجيتها بحزم، وفي بعض الأحيان بسلاسة، القادة المنتخبين لليبيا وتونس ومصر وتركيا، ومعظمهم إسلاميون بطريقة ما. وهم يتوافرون على أهم شكل من السلطة والشرعية لدى شعوبهم، وعندما يعلنون أن القاعدة غير إسلامية ولا تمثل أحداً، فإن ذلك يهم. إن القاعدة تخسر شيئاً أكثر أهمية من المعركة: إنها تفقد الحجة.

اضافة اعلان


*نشر هذا المقال بعنوان:
 After Benghazi, Is al – Qaeda Back?


[email protected]