بعد جدل واسع.. سحب تعديلات المادة 308 من قانون العقوبات

Untitled-2
Untitled-2

نادين النمري

عمان – سحبت الحكومة، مساء أمس، النص المعدل للمادة (308) من مشروع قانون معدل لقانون العقوبات، من مسودة القانون التي كانت نشرتها في موقع ديوان التشريع والرأي.

اضافة اعلان


إلى ذلك، أوضح وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء/ رئيس اللجنة القانونية الوزارية الدكتور إبراهيم الجازي، أن مجلس الوزراء كان قد أحال الأسباب الموجبة لمشروع قانون معدل لقانون العقوبات إلى ديوان التشريع والرأي في وقت سابق، مع عدم الموافقة على إعادة المادة (308) من مشروع القانون.


وأكد الجازي في تصريحات صحفية أمس، أنه وبناء على ذلك، فإن هذه المادة سيتم حذفها من قبل ديوان التشريع والرأي، وبالتالي لن تُدرج ضمن مشروع القانون المعدِل لقانون العقوبات.


وكانت التعديلات المسحوبة أعادت محاولات إحياء المادة عبر حصرها في حالات "مواقعة القاصر بالرضا"، بعد ثلاث سنوات من طي صفحة المادة "308 عقوبات" التي كانت تعفي الجاني من العقوبة في حال زواجه بضحيته في الجرائم الجنسية.


وجوبهت هذه التعديلات بحالة من الصدمة والاستغراب في اوساط الفعاليات الحقوقية والنسائية ومؤسسات المجتمع المدني، خصوصا انها تمت وسط حالة من التكتم إذ لم يتم الإعلان عن أي نية سابقا لمراجعة المادة، كما لم تتم مشاورة أي من تلك الجهات في التعديلات.


وبحسب النص المسحوب من المسودة، تعدل المادة 308 بإضافة "فيما عدا حالات التكرار إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المجني عليها التي تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها وكانت الأفعال الجنسية قد تمت برضاها وثبت للمحكمة من خلال ظروف ودراسة الحالة الاجتماعية المعدة من لجنة مختصة مشكلة من قبلها أن للمجني عليها مصلحة اجتماعية أو شخصية في هذا الزواج توقف الملاحقة ويعلق تنفيذ الحكم في حال صدوره".

ونصت المسودة على انه "تستعيد النيابة العامة حقها في ملاحقة الدعوى العمومية وفي تنفيذ العقوبة قبل انقضاء 3 سنوات على الجنحة وانقضاء 5 سنوات على الجناية اذا انتهى الزواج بطلاق المرأة".


من جانبه، قال المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان علاء العرموطي إن المركز بصدد دراسة التعديلات المقترحة بالتفصيل لاصدار تقرير خاص بها، لكن ومن حيث المبدأ فإن المركز ثابت على موقفه الرافض لإعادة المادة والاستمرار بالغائها بما في ذلك حالات المواقعة بالرضا للقاصر.


وأضاف: "ان مواقعة القاصر بالرضا هو نوع من الاعتداءات الجنسية كون شخص تحت 18 عاما يبقى غير كامل الأهلية وبالتالي فانه لا يعتد بالرضا في هذه الحالات".


وأوضح ان "موقف المركز ينسجم مع الدستور الأردني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان"، معتبرا أن "إعادة المادة 308 هو بمثابة عودة إلى الوراء".


من ناحيتها، أعربت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس عن رفض اللجنة القاطع للتعديل.
وقالت: "نحن كلجنة وطنية نستاء أن يتم تعديل هذا النص ونشره على موقع ديوان التشريع والرأي دون الرجوع إلى اللجنة".


واستغربت النمس صدور مسودة التعديل في وقت توجد فيه لجنة في وزارة العدل لمراجعة جميع التشريعات لمواءمتها مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وهي اللجنة التي تم التأكيد من خلالها على أهمية الغاء المادة 308 .


وأضافت أن "النص المعدل لا يوفر أي حماية للضحايا، بل سيشكل إعادته سيفا مصلتا على رقاب الضحايا اللواتي قد يتعرضن لضغوطات للقول إن العلاقة كانت رضائية وهو ما ثبت في تجارب طويلة في السنوات الماضية".


وزادت أن "إعادة المادة يعرض الفتيات وأسرهن للابتزاز من قبل مجرمين، كما أن النتائج بعد الزواج كانت كارثية في التجارب السابقة، وغالبا لا يستمر الزواج وتصبح الفتاة عرضة لانتهاكات واستغلال من قبل الزوج وعائلته".


وأشارت إلى انه "في حال وجود نية مسبقة للزواج في الحالات الرضائية لما كانت القضايا وصلت إلى المحاكم، لكن مجرد وصولها إلى المحكمة فهو دليل أن الغاية هي الافلات من العقاب وليس الزواج وتأسيس أسرة".


ولفتت إلى ما تم رصده من حالات سابقة في زيجات 308، حيث كانت تعامل الضحية بعد الزواج بوصفها مستغلة وموصومة ولن يستمر زواجا حقيقيا.


وقالت إن "تعديل المادة هو تهرب من الحكومة في حماية هؤلاء الطفلات، ونحن بحاجة لبرامج إعادة إدماج وحماية للطفلات المستغلات وليس تزويجهن من الجناة".


أما الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي فقال "إن كان المقترح على موقع الديوان جدي بإعادة النص ولو بشكل مختلف فحبذا لو يطلعنا أصحاب الاقتراح بالتعديل على الأسباب الموجبة، لماذا نريد إعادة هذا النص إلى القانون".


وأضاف: "في السابق كان هناك الكثير من الجدل والنقاش لحين خروج اللجنة الوطنية لتطوير القضاء وقناعتهم بضرورة الغاء المادة، وكان هناك العديد من الأسباب الموجبة التي تقدم بها العديد من الخبراء والمختصين بإلغاء النص".


وأوضح: "عند الغاء النص كان هناك حديث عن وجوب تطوير خدمات لمن تم اغواؤهن أو الضحايا لتخطي تلك التجربة السيئة، فهل تعتبر إعادة المادة اعترافا بعدم وجود القدرة لدينا لتوفير الخدمات الجيدة للناجيات، أم للتبرير بان من تم اغواؤها وهي قاصر ولا يعتد برضاها قد تكون حاملا، فهل هذا يمثل مصلحة فضلى للطفل؟".


وزاد: "في الواقع لا أعلم ان كانت تلك التبريرات منطقية أو ترتقي لمستوى المنطق، نحن نعلم أن الأسرة حتى تكون متوافقة وناجحة يجب أن تكون هناك مجموعة من المقومات لإنشائها، وأنا اليوم اسأل السؤال ذاته الذي تم طرحه عندما طالبنا بإلغاء المادة: ما هي هذه الأسرة التي نريد انشاءها من خلال هذه العلاقة أو النص القانوني؟".


وختم: "اعتقد أن العودة إلى هذا النص، ولو بشكل جزئي، هي عودة إلى الوراء واعتراف بفشلنا في إيجاد خدمات مناسبة وجيدة لإعانة من تم عليها هذا الفعل وإعادة دمجها في أسرتها والمجتمع".


من جانبه، قال عضو لجنة تعديل قانون العقوبات أستاذ القانون في الجامعة الأردنية الدكتور حسن الطراونة إن "المادة لم تعد كما كانت قبل 2017، انما ما تم هو اعطاء مزيد من الصلاحيات التقديرية للقاضي، بما يحقق مصلحة المجني عليها".


ولفت إلى أن التوصية بتعديل المادة جاءت من الميدان ومن قبل القضاة الذين يتابعون هذه القضايا، بعد أن تبين أن نسبة كبيرة من هذه القضايا هي علاقات رضائية يرغب بها كلا الطرفين في الزواج.


وزاد: "هناك حالات تكون فيها العلاقة رضائية، ويكون هناك طفل من العلاقة، بالتالي وفي حال وجود رغبة لدى الفتاة فإن الزواج يحقق مصلحتها ومصلحة للطفل".


وشدد على ضرورة التمييز بين الحالات الرضائية وحالات الاغتصاب، وبالتالي فان المحكمة، ومن خلال خبرة القاضي، يمكن له أن يتبين إن كانت المواقعة بالرضا أو الاغتصاب، وبناء على السلطة التقديرية يتخذ القرار الذي يصب في مصلحة الفتاة اولا"، لافتا الى وجود حالات رضائية تكون بين فتاة وشاب كلاهما قاصران وحالات تكون العلاقة الرضائية بين فتاة قاصر وشاب بالغ.


ولفت إلى احصائيات حصلت عليها اللجنة بينت أن نحو نصف الحالات التي تعاملت معها الجنايات الكبرى كانت مواقعة بالرضا، وبالتالي لا يجوز اعتبارها حالات اغتصاب.


من جانبها، قالت مديرة مركز القانون لحقوق الإنسان "ميزان" المحامية ايفا أبو حلاوة إن ما ورد في مسودة القانون "غيب المصلحة العامة ومصلحة المجتمع باعتبار أن أحد غايات قانون العقوبات تحقيق الردع العام وحق المجتمع، وكأنه يعطي تبريرا وعذرا مسبقا لارتكاب الجريمة".


وبينت أبو حلاوة أنه "حسب ما ورد في النص المسحوب فهو يطبق على باب واحد فقط، يستفيد منه مرتكب الجريمة على الضحايا من عمر 15 الى 18"، معتبرة ان ذلك يعاكس جهود الأردن في محاربة مشكلة زواج الأطفال.

وفيما يخص الدراسة الاجتماعية التي نص عليها التعديل، تساءلت أبو حلاوة: "ما هي مصلحة القاصر في زواجها من المعتدي عليها؟"، لافتة الى أن لجنة حقوق الطفل استغربت في تقارير سابقة الربط بين مصلحة الطفل الفضلى وزواج أمه من المغتصب.


وأضافت أن "هذه المادة ستضع عائلات الضحايا تحت ضغط واكراه الجاني وأسرته لإتمام الزواج والافلات من العقاب"، مشيرة في ذلك إلى مخالفة هذا النص للعادات والقيم الأردنية في إجراء عقود الزواج، وللشريعة الإسلامية ذاتها.


وتساءلت أبو حلاوة: "لماذا التغيير؟ هل هناك متغيرات وقعت حتى تتم إعادة المادة وتحديدا على الطفلات؟".

وتابعت: "المادة في شكلها الحالي تجعل من الزواج عقوبة، اما فترة تحديد الزواج بـ3 أو خمس سنوات باعتبارها ضمانة، فهذا أمر لا يطبق على أرض الواقع لأنه غالبا لا يتم التبليغ عن الطلاق، ولم يكن يتم التعامل مع الأسرة على انها أسرة ناجحة وسعيدة".


من ناحيتها، قالت الخبيرة الحقوقية المحامية هالة عاهد إن "التعديلات المقترحة ما زالت تترك المخاوف نفسها، وتحت الأسباب ذاتها التي طرحت عندما طالبنا سابقا بالغاء المادة"، واصفة النص بانه "معيب ولا يحمي الضحايا، بل على العكس فإن فكرة الرضا لا يمكن بأي شكل من الأشكال الأخذ بها في حالات القاصر".


وأوضحت: "الدليل على ذلك ان القانون نفسه تعامل مع المواقعة دون تسميتها (مواقعة بالرضا)، فهو لم يستخدم مصطلح الرضا لانه مناط التجريم، فكيف نعود اليوم لنعتد برضاها بالعلاقة وهي في سن دون 18 عاما؟".


وأشارت عاهد إلى الإشكاليات ذاتها التي وردت في التطبيقات السابقة، لافتة الى مبررات عبارة "المصلحة من هذا الزواج" معتبرة أنها بمثابة منفذ لفرار الكثير من الجناة من العقاب، من خلال الضغط أو تهديد الأهل.

وتساءلت: "ما هو مناط المصلحة في هذا الزواج؟ وكيف نعرف المصلحة، وكيف نضبطها في مثل هذا النوع من الزيجات؟".


وقالت: "سابقا كان يتم الطلاق، لأنه لا يوجد ربط مع المحاكم الشرعية فلم تكن تتم الملاحقة، فكيف سنضمن ان تتم الملاحقة الآن؟ هذا تراجع كبير وانتكاسة، ويبدو ان قوى داخل الحكومة تدفع بهذا الاتجاه بلا أي مبررات".


وكان مجلس الأمة وافق في العام 2017 على إلغاء البند الذي يعفي الجاني من العقوبة في جميع الجرائم الجنسية بما فيها حالات الاغتصاب، وهتك العرض، والمواقعة بالرضا مع القاصرات، حيث جاءت التعديلات في حينه لمنع افلات المعتدي في الجرائم الجنسية من العقاب، من خلال الغاء الأحكام المخففة التي كانت تمنح لمثل هذا النوع من الجرائم، وبحيث يتم تطبيق العقوبة على المعتدي في جميع الحالات، سواء تم تزويج المغتصب للمغتصبة أم لا.


وجاء التعديل حينها تنفيذا لتوصيات اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون، والتي كان مجلس الوزراء قد قرر في وقت سابق اعتمادها رسميا بعد ان تم تسليم تقرير اللجنة إلى جلالة الملك.


وقبل العام 2017 كانت المادة 308 تنص على تزويج المغتصب للمغتصبة وايقاف الملاحقة بحق المعتدي في حال تم عقد زواج صحيح لم ينته بالطلاق دون سبب مشروع قبل انقضاء ثلاث سنوات على الجنحة، وانقضاء خمس سنوات على الجناية من تاريخ إبرامه.