بعد عام على الاحتجاجات الجماهيرية.. مسلمو الهند ما يزالون يعيشون مع الخوف

Untitled-1
Untitled-1

بيتوا شرما* - (فورين بوليسي) 18/12/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

من المتوقع أن يزيد حزب مودي استقطاب الدوائر الانتخابية للولايات على أسس دينية في العام 2021.

  • * *
    في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، انضم مئات الآلاف من الأشخاص في مدن عبر الهند إلى الاحتجاج على "تعديل قانون المواطنة" الذي تم تمريره قبل وقت قصر في ذلك الحين. ويحدد القانون مساراً للحصول على الجنسية لبعض السكان غير المسجلين الذين كانوا قد فروا من الاضطهاد الديني، لكنه يميز ضد اللاجئين والمهاجرين الذين يصادف أنهم مسلمون -أعضاء في أكبر أقلية في الهند. وكانت الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة، كما أصبحت معروفة، هي الحركة الشعبية الأكثر استدامة في الهند منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة في العام 2014.
    فاجأ حجم الاحتجاجات حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي. ومثل الاحتجاجات الجارية التي يقودها مزارعو السيخ ضد القوانين الزراعية الجديدة، وصف الحزب الحاكم الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة بأنها "معادية للوطن". ولكن، في حين أن حكومة مودي تتفاوض الآن مع المزارعين لإنهاء حصارهم لحدود دلهي، لم تُمنح الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة أي شرعية سياسية.
    والآن، بعد مرور عام على الاحتجاجات، تراجعت الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة إلى خلفية الصورة، وبالكاد يتم تذكر ذكرى قيامها: أوقفت شرطة دلهي مسيرة للشموع قادها الطلاب في 15 كانون الأول (ديسمبر). وكانت جائحة فيروس كورونا قد أوقفت الاحتجاجات الجماهيرية في آذار (مارس)، لكن من الصعب تحديد المدة التي كان من الممكن أن تعيشها على أي حال، بالنظر إلى السمعة الذي تعرضت له الحركة على يد قادة حزب بهاراتيا جاناتا، والأعمال العدائية من سكان دلهي بسبب إغلاق الطرق، ونقص الدعم من ما تُسمى بالأحزاب العلمانية في الهند.
    كما عانت الحركة من قيودها ومحدودياتها الخاصة أيضاً. فقد فشلت في إشراك شريحة أكبر وأكثر شمولية من المجتمع، وبناء الجسور مع المجتمعات المنكوبة الأخرى مثل المزارعين و"الداليت"، وفي مواجهة رسائل حزب بهاراتيا جاناتا التي قالت إن باكستان هي التي حرضت الحركة. وتشير الاعتقالات التي تعرض لها قادة الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة، إضافة إلى آخرين من الذين شجبوا النزعات القومية الهندوسية الخبيثة لحزب بهاراتيا جاناتا، إلى تراجع الروح الديمقراطية الشاملة والإضرار ببناء الإجماع في الهند. وما يزال المسلمون الهنود يعيشون الآن في الوضع نفسه المحفوف بالمخاطر الذي وجدوا أنفسهم فيه في العام 2019: العيش مع الخوف من أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.
  • * *
    لم تشكل الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة تحدياً لنظام الأغلبية الهندوسية الذي يكرسه حزب بهاراتيا جاناتا فحسب، بل إنها تحتج أيضًا ضد استبداد حكومة مودي الذي يتضح في تحركاتها لفرض قوانين مثل تعديل قانون المواطنة، أو إعلانها المفاجئ في العام 2016 أنها ستستبدل بعض أوراق الروبية الهندية بأخرى جديدة، مما تسبب في فوضى وأضرار اقتصادية دائمة. وباستخدام لغة دستور العام 1949، كانت الحركة بمثابة تكريم لفكرة الهند المبنية على العلمانية والتعددية، ودعوة إلى ممارسة التسامح.
    لكن من الواضح أن الاحتجاجات المناهضة لتعديل قانون المواطنة لم يكن لها صدى يتجاوز شريحة حضرية وليبرالية من المجتمع الهندي. وتبقى الكثير من وسائل الإعلام والطبقة الوسطى الهندوسية -أكبر شريحة سكانية في البلاد- واقفة بقوة خلف رئيس الوزراء وسياسته. ومع ذلك، كانت الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين انضموا إلى الحركة بمثابة إنذار قوي ودعوة استيقاظ لقيادة واثقة من أنها تمكنت من القضاء على المعارضة. وبدا أن الاحتجاجات، مصحوبة بتحول في التصورات الدولية، سوف تدفع حكومة مودي إلى التراجع خطوة إلى الوراء وتخفيف حدة نبرتها.
    كان الموطن الأم للحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة هو "شاهين باغ"، الحي الذي تقطنه أغلبية مسلمة في دلهي. وقادت النساء المسلمات اعتصامًا هناك لمدة ثلاثة أشهر، والذي سرعان ما انضم إليه ناشطون من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. وتقول بلقيس بانو، 82 عاما، وهي أحد أشهر وجوه الاعتصام: "جلست لمدة 101 يوم، ولكن لم يأت أحد (من الحكومة) للقائنا أو التحدث معنا. ماذا يمكننا أن نفعل عندما لا يأتي أحد للتحدث معنا؟".
    حتى قبل ظهور الوباء وتفشيه بقوته الكاملة، توقفت الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة بعد أن ضرب العنف الديني أجزاء من دلهي في شباط (فبراير)، وأسفر عن مقتل 53 شخصًا، معظمهم من المسلمين. وتم إلقاء اللوم في ذلك على الطلاب والنشطاء الذين قادوا الاحتجاجات المناهضة لقانون تعديل الجنسية -ومعظمهم من الشابات والشبان. وخلص تحقيق أجرته شرطة دلهي، والذي صفه منتقدون بأنه متحيز، إلى أن الاحتجاجات كانت جزءًا من مؤامرة للإطاحة بحكومة مودي. وفي جلستي استماع منفصلتين للإفراج بكفالة عن النشطاء المسجونين، قال القضاة إن تهم الإرهاب الموجهة ضدهم كانت على ما يبدو "مستهدفة" و"انتقامية".
    تعكس اعتقالات النشطاء والطلاب المناهضين لتعديل قانون المواطنة رواية تلقي باللوم في أعمال الشغب على المتظاهرين، وبالتالي المجتمع المسلم. وقد صفت شرطة دلهي الناشط عمر خالد، البالغ من العمر 33 عامًا -وأحد أكثر المنتقدين لحكومة مودي- بأنه "العقل المدبر" وراء أعمال الشغب في دلهي. وتقول شريكته، بانوجيوتسنا لاهيري: "لقد استُهدف لأنه رفض أن يتم إسكاته".
    على الرغم من بعض النكسات السياسية التي صادفها في انتخابات الولايات، فإن نوع القومية الهندوسية التي يعتنقها حزب بهاراتيا جاناتا يكتسب قوة في الولاية الثانية لحكومة مودي. وإضافة إلى إقرار تعديل قانون المواطنة، جرد هذا الاتجاه ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة من استقلاليتها الدستورية وأثار مخاوف من السعي إلى إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، بعد عقود من التقاضي، حكمت المحكمة العليا لصالح بناء معبد هندوسي في موقع مسجد من القرن السادس عشر، كان قد دمره متطرفون هندوس في العام 1992.
    في الهند في عهد مودي، يكشف الناس بشكل متزايد عن تعصب كان مخفياً ذات مرة ضد المسلمين. وفي الشهر الماضي فقط، سحبت إحدى العلامات التجارية الكبرى للمجوهرات إعلانًا يُظهر امرأة هندوسية متزوجة من عائلة مسلمة بعد رد فعل شعبي عنيف. وفي الآونة الأخيرة، أصدرت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية أوتار براديش، الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الهند، قانونًا ضد "التحولات الدينية غير القانونية" القسرية والزيجات التي تهدف فقط إلى تغيير ديانة المرأة. ويقول المنتقدون إن هذا القانون يقوم بتضخيم فكرة المؤامرة القومية الهندوسية القائلة إن الرجال المسلمين يسعون إلى تحويل الهندوسيات عن دينهن عن طريق الزواج منهن -ما يسمى جهاد الحب. (نأت حكومة مودي بنفسها رسميًا عن المصطلح).
  • * *
    يمنح "تعديل قانون المواطنة" الجنسية الهندية لمجموعات الأقليات غير المسلمة القادمة من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش. وتؤكد حكومة مودي أن القانون لن يؤثر على المسلمين الهنود. لكن البعض يخشى أنه إلى جانب السجل الوطني للسكان، وعملية جمع البيانات، و"السجل المدني" المقترح للمواطنين، الذي يهدف إلى تحديد أولئك الذين يعيشون في البلاد من دون امتلاك الوثائق المناسبة، سيتم استخدام تعديل قانون المواطنة لاستهداف المسلمين الذين لا يمكنهم إبراز مستندات وتجريدهم من حق اعتبار الهند وطنهم.
    الآن، بعد مرور عام على إقرار البرلمان الهندي تعديل قانون المواطنة، تقول حكومة مودي أنها ما تزال بصدد صياغة القواعد لإنفاذه، ولم تستمع المحكمة العليا بعد إلى أكثر من 140 التماساً تطعن في صحته الدستورية. وقد تراجع وزير الداخلية أميت شاه، الذي وصف المهاجرين غير الشرعيين بأنهم "نمل أبيض"، عن خطة تسجيل المواطنين على مستوى البلاد العام الماضي، بعد أن رفضت 11 ولاية لا يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا تنفيذها. ولكن، في حين أن الحكومة ربما تكون قد أوقفت "السجل المدني للمواطنين"، إلا أنها لم تستبعد تنفيذ عملي جمع البيانات، وهو ما يجادل البعض بأنه طريقة سرية لإعادة طرح السجل المدني للمواطنين.
    أدى تجريد كشمير من وضع الحماية الذي يتمتع به، وإقرار تعديل قانون المواطنة، والقمع اللاحق ضد الطلاب المناهضين له في ولايتين تقطنهما أغلبية مسلمة، إلى إغضاب الدول الإسلامية الصديقة للهند وأساء إليها. وقد أدانت إيران وتركيا وماليزيا الاضطرابات في دلهي في شباط (فبراير). ودعت منظمة التعاون الإسلامي مودي إلى ضمان حماية المسلمين والأماكن الإسلامية المقدسة في الهند. وبعد عام من الضغط، تمكنت باكستان من إقناع المنظمة بتمرير بيان قوي بشأن كشمير.
    بل إن دفع الهند بتعديل قانون المواطنة الهندي أدى إلى تنفير بنغلاديش الصديقة، التي رفضت قبول عودة أي مقيم هندي تم استبعاده بسبب قانون المواطنة. ووصفت رئيسة الوزراء البنغالية، الشيخة حسينة، تعديل قانون المواطنة بأنه غير ضروري، وألغى ثلاثة من وزرائها رحلاتهم المقررة إلى الهند وسط الاحتجاجات. ومن المرجح أن تمضي حكومة مودي قدمًا بحذر، نظرًا لأن الإسلاموفوبيا في الهند أصبحت تشكل عبئاً إلى حد ما -ويمكن أن تكون مشكلة شائكة لدى التعامل مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.
    تتجلى مظاهر المشكلة مُسبقاً في ولاية آسام، موطن العديد من الهندوس والمسلمين الناطقين باللغة البنغالية، والذين هاجروا من بنغلاديش على مدى أعوام. وقد أعدت حكومة الولاية قائمة بالمواطنين في آب (أغسطس) 2019. لكن حزب بهاراتيا جاناتا عانى من انتكاسة: من بين 1.9 مليون شخص وُجد أنهم يعيشون في ولاية آسام من دون وثائق، كان أكثر من 500.000 من الهندوس الذين سيضطرون فعليًا إلى الادعاء بأنهم فروا من الاضطهاد الديني في بلد مجاور للحصول على جنسيتهم. وقال زعماء حزب بهاراتيا جاناتا أن الهندوس الذين تُركوا خارج السجل المدني للمواطنة سوف تتم تغطيتهم بموجب تعديل قانون المواطنة، وقال شاه العام الماضي أن قصة السجل المدني للمواطنة سوف تتكرر في ولاية آسام. وهذا الشهر، قالت حكومة آسام إن القائمة التي أعلنتها نهائية في العام 2019 لم تكن نهائية بعد كل شيء.
    والآن، مع اقتراب موعد انتخابات الولايات العام المقبل في كل من ولايتي آسام والبنغال، فإن حزب بهاراتيا جاناتا يترك الآن قضية تعديل قانون المواطنة لتنضج على نار هادئة. في ولاية آسام، لم تنجح محاولة حزب بهاراتيا جاناتا جعل مسألة "السجل المدني للمواطنة" تعمل كقضية هندوس-مسلمين، بدل أن تكون قضية مرتبطة بالاختلافات المحلية في اللغة والعرق. وسيكون تحقيق الفوز في ولاية البنغال، التي تضم أيضًا عددًا كبيرًا من المهاجرين من بنغلاديش، علامة فارقة بالنسبة للجناح اليميني الهندوسي. وهناك، استغل حزب بهاراتيا جاناتا النزعة المحافظة الهندوسية الخاملة بين مجتمعات الطبقة العليا وعمل بجد لاستقطاب قاعدة رئيس الوزراء ماماتا بانيرجي، الذي كان قد تولى السلطة بعد ثلاثة عقود من حكم الحزب الشيوعي في العام 2011.
    يقول سانجيتا بارواه بيشاروتي، مؤلف كتاب "آسام: التوافق، التفارُق": "حزب بهاراتيا جاناتا واقع في مأزق قانوني عندما يتعلق الأمر بآسام. أينما كانت هناك بعض المساحة في اللعبة المجتمعية، فإنهم يلعبونها".
    في الحركة المناهضة لتعديل قانون المواطنة، صاغت القوى التقدمية مناشداتها لدعم حقوق وحريات الأقليات في شكل دعوة للدفاع عن الدستور. وهي تدرك تماماً الآن عدم رغبة حكومة حزب بهاراتيا جاناتا حتى في مجرد تقديم خدمة كلامية والتشدق بالقيم الدستورية في الهند -وتدرك عداء الأغلبية غير الصامت تجاه هذه الدعوات.

*Betwa Sharma: صحفية مستقلة تغطي السياسة والحريات المدنية. كانت محررة السياسة في "هفنغتون بوست/ الهند".
*نُشر هذا المقال تحت عنوان: One Year After Mass Protests, India’s Muslims Still Live in Fear