بعد مذكرة "الجنائية الدولية.. هل يمكن فعلا اعتقال الرئيس الروسي؟

عواصم - لم تتوقف التداعيات الدولية منذ إعلان المحكمة الجنائية الدولية، مساء أول من أمس، إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمفوضة الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا ماريا أليكسييفنا لفوفا بيلوفا. وعلى الرغم من استخفاف المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بالقرار، فإن الخطر لم يبتعد بعد، فهل يمكن فعلاً اعتقال سيد الكرملين؟ في الوقت الراهن، يتمتع الرئيس الروسي بسلطة مطلقة في بلاده، لذلك لا يتوقع على الإطلاق أن يسعى الكرملين إلى تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعليه، لا يواجه بوتين أي خطر فيما يتعلق بالقبض عليه طالما بقي داخل روسيا، الا أن المعضلة تكمن فيما إذا غادر سيد الكرملين بلاده عندها يمكن اعتقاله. وباعتبار أن تحرّكات الرئيس الروسي باتت محدودة للغاية بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه، يرجح أنه لن يغامر بالسفر إلى دولة قد تكون لديها الرغبة في تقديمه للمحاكمة. إلا أن الأمور لم تقف عند هذا الحد، حيث من المقرر أن يحضر بوتين قمة "البريكس" المقامة في جنوب إفريقيا في آب (أغسطس) القادم، وبصفة أن جنوب إفريقيا عضو في المحكمة الجنائية الدولية، وأحد الموقعين على معاهدة روما، فسيكون عليها التزام قانوني بتنفيذ أوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضده. ولم تحدد الدول المستضيفة موقفها من الأمر بعد، بيد أن لها سوابق بتجاهل القرارات الدولية، حيث رفضت عام 2015 تسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير خلال زيارته لها رغم صدور قرار دولي باعتقاله بتهمة "الإبادة الجماعية". وبررت بريتوريا حينها أن الأمر الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال البشير باطل بموجب قانون معمول به في جنوب إفريقيا يمنح الحصانة من المحاكمة لزعماء الدول، وهو ما يتفق مع القانون الدولي. لكن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص على أنه لا حصانة لزعماء الدول خلال وجودهم في الحكم في القضايا المتصلة بجرائم حرب. من جهتها رحبت الولايات المتحدة بإصدار المذكرة ضد بوتين، وقال الرئيس جو بايدن إن مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي مبررة "وإن بوتين ارتكب بوضوح جرائم حرب". وأضاف بايدن أنه بالرغم من أن الولايات المتحدة ليست عضواً في المحكمة، فإن إصدارها المذكرة يمثل نقطة تحول قوية. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض أدريانا واتسون إنه لا شك أن روسيا "ترتكب جرائم حرب في أوكرانيا"، مؤكدة ضرورة محاسبة المسؤولين عن ذلك. وعلقت السفارة الروسية بواشنطن على الموقف الأميركي بقولها إن هذا يعكس حالة فُصام في الشخصية، لأن واشنطن ترفض موقف المحكمة عندما تنتقدها على جرائمها، حسب تعبير السفارة. وأضافت في بيان أن المسؤولين الأميركيين يسمحون لأنفسهم بالإدلاء بتصريحات غير مقبولة بشأن الرئيس بوتين، لكنهم يلتزمون الصمت عمدا بشأن الفظائع الوحشية التي ارتكبتها بلادهم في العراق وغيره. وكما الولايات المتحدة أعلن الاتحاد الأوربي دعمه لقرار الجنائية الدولية وتحقيقها، وقال مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل "لن يكون هناك مجال للإفلات من العقاب". وأضاف أن قرار المحكمة هو البداية في مسلسل المحاسبة، وتحميل المسؤولين الروس المسؤولية عن "الجرائم والفظاعات التي ارتكبوها بأوكرانيا". وعلى الجانب الأوكراني، وصف الرئيس فولوديمير زيلينسكي أول من أمس قرار الجنائية الدولية بحق بوتين بالتاريخي. يشار إلى أنه منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا العام الماضي، سافر بوتين إلى 8 دول، 7 منها يعتبرها "دول الخارج القريب" لروسيا، وكانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق الذي انهار عام 1991. أما الوجهة الوحيدة التي تختلف عن تلك الفئة من دول الجوار، فكانت إيران التي زارها في تموز (يوليو) الماضي للقاء المرشد الأعلى علي خامنئي. ونظرا لأن إيران تدعم روسيا في جهودها الحربية من خلال توفير طائرات مسيرة وغيرها من المعدات الحربية التي تستخدمها في حربها في أوكرانيا، لن تشكل أي زيارة أخرى لطهران خطرا على الرئيس الروسي. يذكر أن المتحدث الرسمي باسم الجنائية الدولية فادي العبد الله، كان أوضح أول من أمس أن قرار اعتقال الرئيس الروسي ليس إدانة وإنما دعوة للمثول والتحقيق فقط، مؤكداً أن تنفيذ الاعتقال مرهون بتعاون الدول المنضوية ضمن المحكمة، ما يعني أن أمر الاعتقال لن ينفّذ بحق الرئيس الروسي إلا إذا أرادت دولة معنية بالمعاهدة فعلاً تنفيذه. أما مذكرة التوقيف التي صدرت بحق بوتين ومفوضة حقوق الطفل الروسية ماريا ألكسييفنا لفوفا بيلوفا، فاستندت إلى اتهامهما بالترحيل القسري للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا، لاسيما أن الترحيل القسري للسكان يعتبر جريمة بموجب معاهدة روما الأساسية التي أنشأت هذه المحكمة. وعلى الرغم من أن روسيا كانت من الدول الموقعة على معاهدة روما فإنها انسحبت منها عام 2016، مؤكدة أنها لا تعترف باختصاص المحكمة، أما لجهة أوكرانيا فهي أيضا ليست من الدول المنضوية إلى محكمة لاهاي، لكنها منحتها قبل أشهر الولاية القضائية للتحقيق في جرائم حرب مرتكبة على أراضيها من قبل القوات الروسية، فيكون القرار الأخير خطوة لتضييق الخناق على الرئيس. وزار المدعي العام للمحكمة كريم خان، أربع مرات كييف خلال العام الماضي قبل التوصل إلى قناعته حول حصول عمليات خطف وترحيل لأطفال أوكرانيين، "تورط بها الكرملين". ولان روسيا لا تعترف بالمحكمة الجنائية فهي لا تسلم بطبيعة الحال مواطنيها لها أو لأي دولة بالخارج، فكيف برئيسها القوي؟ وبالتالي بوتين لن يسلم بأي حال من الأحوال إليها. وحول أهمية قرار الجنائية الدولية، يرى بعض المراقبين أن إصدار مذكرة التوقيف يبقى لحظة مهمة دولياً، لأنه يرسل إشارة قوية إلى كبار المسؤولين الروس عسكريين ومدنيين الذين قد يكونون عرضة للمحاكمة إما الآن أو في المستقبل، ويحد من قدرتهم على السفر دوليًا، بما في ذلك حضور المنتديات الدولية.-(وكالات)اضافة اعلان