بعض ما تقوله اتفاقية الترسيم اللبنانية

علاء الدين أبو زينة ثمة جدل يدور في لبنان نفسها حول عدالة اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي توصل إليه لبنان الشقيق مع العدو الصهيوني، بوساطة أميركية. البعض يقولون إن صيغة الاتفاق تجلب كل أو معظم حقوق لبنان في مياهه الإقليمية. ويقول آخرون إن ما طالب به لبنان الرسمي أساسًا يقصر عن استعادة حقه الكامل كما تحدده الخرائط. ومع ذلك، حتى في شكله الحالي، يأمل اللبنانيون أن يمكنهم الاتفاق من استخراج الغاز والنفط من بحرهم وإخراج بلدهم من الوضع الاقتصادي المزري الذي علق فيه. مهما يكن، كان تصور أي اتفاق مع العدو يتيح للبنان التصرف بمياهه الإقليمية بحُرية، وخاصة استخراج النفط والغاز، إمعانًا في الخيال. كانت قوة الكيان الصهيوني العسكرية دائمًا تتيح له التحكم بلبنان وموارده واعتقال إرادته. وقد تمكن الكيان الصهيوني من تخويف الشركات التي كان لبنان يتفاوض معها على استخراج غازه ونفطه من البحر وإبعادها. لكن هذا تغير في الفترة الأخيرة. وكان التغيُّر هو تمكُّن المقاومة اللبنانية، بغض النظر عن كل المتعلقات، من إحداث نوع من «توازن الردع» العسكري مع الكيان. في موضوع النفط والغاز البحريين، هددت المقاومة اللبنانية بتدمير منصات استخراج الغاز والنفط البحرية من المياه الفلسطينية المحتلة. ومن الواضح أن العدو أخذ هذه التهديدات على محمل الجد. ففي حين كان الكيان ينوي استخراج الغاز من «حقل كاريش» الشمالي في أوائل أيلول (سبتمبر)، أجبرته التهديدات وإرسال مسيرات لبنانية إلى تلك المنطقة بالذات على التأجيل، بذرائع تقنية. وفي الحقيقة، كان يعطي الولايات المتحدة الوقت لتنسيق اتفاق مع اللبنانيين. في الظرف الحالي، كان لأزمة الطاقة في أوروبا جراء الحرب الروسية-الأوكرانية دور مهم في حاجة الولايات المتحدة إلى كل نقطة غاز ونفط يمكن تحصيلها تعويض حلفائها/ أتباعها الأوروبيين عن الإمدادات الروسية والأوكرانية. وفي ضوء عدم الاستجابة غير المتوقعة من حلفاء أميركا المفترضين لتعويض النقص في الطاقة، أصبح الغاز الذي يستخرجه الكيان الصهيوني من المياه المحتلة الفلسطينية مهمًّا أكثر من أي وقت مضى. وكان بالإمكان زيادة الإنتاج بحرية، لولا استغلال المقاومة اللبنانية هذا الظرف أيضاً لمحاولة تحرير يد لبنان في استخراج موارده. وقد تحركت الولايات المتحدة بنشاط لإبرام اتفاق على ترسيم الحدود يعطي لبنان مطالبه الرسمية، بدرجة أو أخرى، مقابل عدم تنفيذ التهديدات بقصف كل منصات النفط الصهيونية إذا لم يأخذ لبنان حقه. ثمة دروس مستفادة، مرة أخرى، من هذه الأحداث للعرب وللفلسطينيين – أو أولئك منهم الذين يعتبرون الكيان عدوًا وجوديًا وليس حليفاً محتملاً. أول هذه الدروس أن الكيان الصهيوني لا يصلُح ليكون حاميًا للعرب من إيران ولا غيرها، بما أنه استجاب، حسب الكثير من التحليلات، لتهديد قوة صغيرة نسبيًا -وقادرة- بتعطيل منصاته النفطية وموانئه. كما أن الولايات المتحدة، التي تحيل العرب دائمًا إلى الكيان لتعويض حمايتها، تدخلت بقوة لإيقاف التهديد عن طريق ما قد يُعتبر تنازلاً منها ومن الكيان للبنان. ثانيًا، عندما يتم الحديث عن مفاوضات مع العدو الصهيوني على دولة فلسطينية بشروط القرارات الدولية، أو المبادرات العربية، فإن هذه المفاوضات منذورة للفشل سلفًا ما لم تكن مدعومة بظروف ترغم العدو على التنازل. والوسيلة هي توازن الردع. يجب أن يكون العدو في أي مفاوضات في وضع يريد فيه التخلص من خطر كبير يتهدده ويجبره على إعادة حساب الأرباح والخسائر. بالنسبة للفلسطينيين، لن يأتي أي حق يريدون تحصيله دون تشكيل هذا التهديد بأقصى ما يمكن. وما يحدث الآن – بعيدًا عن المقاومة الباسلة التي تحاولها بعض الفصائل- هو تأمين العدو من التهديد بواسطة السلطة الفلسطينية. وبذلك يكون عملها الأساسي هو إعدام الشرط الأساسي لتحصيل شيء للفلسطينيين من العدو: شعوره بالتهديد المتحقق والممكن. في مقابلة مع رئيس السلطة الفلسطينية، تسأله محاورته: «لماذا تواصل تمسكك بالتنسيق الأمني»؟ ويجيب: «أنا متمسك بالتنسيق الأمني لأنه لو تركتُ التنسيق الأمني هناك فوضى. هناك سلاح، ومتفجرات، ومسلحون، يأتون من كل مكان ليدخلوا إلى إسرائيل، أنا أضع يدي عليهم». إذا كانوا سيدخلون إلى «إسرائيل»، فعند مَن ستكون الفوضى؟ ولماذا نحمي العدو من الفوضى؟ تبرير غريب! لا يمكن أن تكون هناك فوضى أكثر من التي يُحدِثها الاحتلال في حياة الفلسطينيين. وإذا أرادوا التخلص من أكثر تحققات الفوضى كثافة، فيجب أن يتخلصوا من الاحتلال. والمقاومة ليست فوضى. الفوضى هي عدم تصعيد مقاومة موحدة ومركزة تهدد العدو لإجباره على طلب التفاوض لإعادة ما يمكن من الحقوق الفلسطينية، ونحو تحصيلها كلها. وسيجبر أميركا على أن تكون وسيطاً أكثر «نزاهة». هذا شيء مما يقوله ترسيم الحدود البحرية اللبنانية. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان