بكفي فشك؟!

زمان كانت الاعراس بسيطة جدا وكانت سهرة الشباب تختصر على طبلة وقربة ومطرب يعمل في الصباح في حسبة الخضار وفي المساء يروج نفسه على انه سيدحر إيهاب توفيق من على الساحة الفنية! لم نكن نعرف المشاجرات الا في الاعراس وعلى طابور الخبز، لذلك عند اقتراب نهاية سهرة اي عريس كان يحضر احد السكرانين ويطلب من المطرب تحيته على المايكرفون، طبعا هناك تعليمات مسبقة من العريس للمطرب بمنع التحيات، والسكران حين جاء الى العرس لم يلتزم بكل قوانين المرور وقطع كل الإشارات حمراء حتى يلتزم بتعليمات العريس. وحين يكرر السكران الطلب ويرفض المطرب المسكين تلبية طلبه كان يقوم بتناول زجاجة مشروبات غازية ويضعها في منتصف رأسه. حين يشاهد عازف القربة هذا المنظر الدموي يترك القربة ويقفز عن الحيط. اما عازف الطبلة فبعد انتهاء الحفلة يتم العثور عليه فوق معرش العنب.. فيسارع الموجودون للفصل بين المطرب والسكران ومن ثم يطلب والد العريس فورا بفصل شك الكهرباء فيغادر الموجودون وينتهي الخلاف، ويعود صاحب القربة للعزف بعد شهرين من كل حفل بعد ان يقوم طبيب العظام بفك الجبصين عن قدميه. ما ان طفى والد العريس شك الكهرباء انتهت المشكلة ونادرا ما كان يتم طلب دورية النجدة للسكران الا اذا رفض مغادرة العرس قائلا لهم: انا العريس! لم نكن في بلدنا نشاهد مشاجرات حقيقية الا في الاعراس وكانت تنتهي دون الحاجة لاستدعاء دورية نجدة بل فقط بإطفاء شك الكهرباء! ماذا تغير في بلدنا لدرجة ان تحرق مدينة من اجل فتحة طمبون سيارة. الرصاص الذي استخدم يكفي لافتتاح الاندلس مرة اخرى. حالة تثير الرعب والخوف من هذا الانتشار الكثيف للأسلحة فهو منتشر في الأردن اكثر من انتشار التلفزيون الأردني! لا اعرف ماذا خرجت جامعاتنا ومدارسنا طوال كل تلك السنوات وماذا زرعت فيهم من قيم حب الوطن والمحافظة عليه، فما ان يسمع الشاب عن مشاجرة تخص احد من معارفه الا وتناول الكلشن وركض مستثنيا القنوة والقشاطة وموس الكباس والحزام أدوات القتال التقليدية في معارك الأردنيين الذين لم يعودوا يستخدمونها، فلم نعد نسمع عن فلان انفشخ او انضرب موس كباس او انكسر بل بعد كل مشاجرة في الأردن هناك ضحايا وجرحى اكثر من ضحايا وجرحى زلزال! مسألة تبادل إطلاق العيارات النارية مع قوات الأمن او في المشاجرات بدأت تتكرر وأصبحت ظاهرة خطيرة، وواضح ان الفشك في الأردن اصبح اكثر من السكر الفضي.. لذلك لم تعد المقابر تتسع مزيدا من الوجع والدمع والقهر! حين يموت اي أميركي في اي معركة تشكل لجان تحقيق وتتألم عليه أميركا اكثر من تألمها على فقدان طائرة حربية، بينما نحن بالمجان أصبحنا نفقد أعز الاحباء والاصدقاء في معركة طابور خبز، او اختلاف بسيط على سعر خاروف، او ليش بتزمر؟! نحن البلد الوحيد في العالم الذي يقدم ضحايا بالمجان، وقد آن الأوان ان يوقف شلال الدم الذي يسيل...فقد فشلت كل مدارسنا وجامعاتنا بتخريج جيل يغزو عالم التكنولوجيا والإنترنت بل خرجت لنا من هم على استعداد ان يغزو عليك اذا انعطفت بسيارتك ولم تعطه غماز! وفشلت كل القوانين السارية بردع حملة السلاح وأصبح انتشار السلاح اكثر من انتشار الواتس اب.. وفشل الاعلام والمراكز الثقافية والشبابية بالتوعية بخطورة استخدام الأسلحة حيث صرفنا على حملة تنظيم النسل اكثر ما كان يمكن ان نصرفه بحملات توعوية حتى لا ينقطع نسلنا جميعا! الكل فشل، تريد ان ترى أردن خاليا من الفشك ومن القتل ومن الالم فقط اتركوا صكوك الصلح ومن وجه فلان ومن فناجين القهوة ودعوا القانون يأخذ مجراه.. بعدها لن تسمع حتى عن مقتل دجاجة في الأردن!اضافة اعلان