بلا ردع.. بلا كرامة..!

علاء الدين أبو زينة لو كان العراق يمتلك أسلحة دمار شامل حقاً في العام 2003، لما حشدت أميركا وحلفاؤها جنودهم طوال أشهر على حدوده بسلام. ولو لم تكن لدى فلاديمير بوتين أسلحة نووية خارقة تكفي لتدمير الكوكب عدة مرات، لما تجرأ على المطالبة بدور عالمي لبلده وتحدي الناتو كاملاً. تتسابق قوى إقليمنا – دول منفردة في الحقيقة، باستثناء دول العرب- على امتلاك أسلحة الردع والدفاع: الصواريخ البالستية؛ الطائرات دون طيار؛ وفوق كل شيء، السلاح النووي. إيران على عتبة امتلاك سلاح نووي، وتصنع صواريخها ومسيراتها الخاصة. وتركيا تتميز في صناعة المسيّرات وبيعها واستعمالها في صنع تحالفات. والكيان الصهيوني يصنع أنظمة الدفاع، والأقمار الصناعية، والطائرات المقاتلة، والمسيرات، والدبابات والرشاشات، والأسلحة النووية منذ عقود. والعرب، يهدرون ميزانيات ومقدرات شعوبهم على شراء السلاح، وإنما دون أن يجلب لهم هيبة ولا نفوذاً سوى على مواطنيهم. البائعون يتحكمون بنوعية الأسلحة التي تُباع للعرب لتضمن بقاءهم في قاع الإقليم بينما يشتغل الآخرون على بناء قوتهم بإمكاناتهم الذاتية. وفي الأساس، تستطيع دول عربية أن تصنع، منفردة – أو متحالفة في تجمعات قدراتها العسكرية الخاصة. إنها تمتلك المال لتشتري المواد، والتكنولوجيا، والخبراء. لكن الناقص المهم هو الإرادة. سوف تجد دول العرب بين أول الموقعين على كل معاهدة خاصة بحظر صناعة الأسلحة واستخدامها. وهي تلتزم بهذه المعاهدات بصدق نادر أكثر مما تلتزم بهوياتها وشخصياتها، فلا تحاول أن تتحايل مثل الآخرين فتنشئ برامجها العسكرية تحت الأرض. كان ينبغي على الأقل، ولسبب وجيه، ألا توقع على شيء مثل حظر امتلاك برنامج نووي ما لم يتم أولاً تفكيك ترسانة الكيان الصهيوني النووية التي يهدد سلمها بها، وسحب الرؤوس النووية الأميركية من تركيا. لكنها تقبل بأن تحرم على نفسها ما يحرمه على أنفسهم الآخرون، ويتنمرون عليها بما يملكون. يبدع قادة العرب في كل شيء يبقي بلدانهم ضعيفة وفقيرة، في عالم قائم على الردع كوسيلة لحفظ الكرامة والمقدرات، وتعريف الحق والحقيقة، والتخلص من التبعية والدونية. مهما تكن ميول المرء سلمية وإنسانية، فإن هذه الميول لا تغني في عالم توضع قواعده وتُوزع حصصه في معزل النوايا الطيبة واليوتوبيا. سوف يطردونك من بيتك ويقتلون أولادك ويجلعونك تنام عند الباب حين لا تمتلك ما تشتري به هيبتك. وكما تظهر أزمة أوكرانيا مرة أخرى، فإن أحداً لن يضحي بنفسه من أجلك إذا لم يكن لديك ما تدافع به عن نفسك. وفي الحقيقة، لا يعيش العرب في سلام مطلقاً لمجرد أنهم يتبنون خطاب السلمية للتغطية على فقدان الهمة وضعف الإرادة. السلاح والحرب اقبح ما اقترف البشر من خطايا. وينبغي ألا يكون امتلاك أدوات القتل والتخويف هو الذي يحدد قسمة الإنسان في هذا العالم. ولكن، هكذا جعل البشر طبيعة الأشياء. ربما تستطيع أن تنعم ببعض السلام وتنام بلا قلق فقط إذا كان لديك ما تحمي به سلامك. وإلا سوف يذلونك، ويحتلوا أرضك ويأخذون خبزك وأنت تنظر. كلنا يعرف أن سبب إحجام الناتو العظيم عن الاشتباك العسكري مع روسيا هو الخوف من الخسائر. لو كانت روسيا مثل دولنا لصبوا عليها نيران جهنم -كما فعلوا بلا تردد في العراق. والأوكران يكررون غباء العرب. يحاول نائب رئيسهم استنفار الغرب بمحاولة إقناعهم بأن روسيا ستقصف كل عاصمة أوروبية إذا أخضعت أوكرانيا. كان يبنغي أن يعرف أفضل. لن تجرؤ روسيا أيضاً على اشتباك مع الغرب المدجج بكل أنواع السلاح. إنها مسألة ردع متبادل كما هي طبيعة الأشياء. أما نحن، فمرشحون فوق العادة لـ»تورط» كل من أحب قتلنا وإخضاعنا وتسفيه أحلامنا أنى شاء. في العالم المحكوم بـ»النظام» الذي كتب قواعده الأقوياء، سيكون الذي بلا ردع – الذي يحرصون على إبقائه كذلك- فاقداً للمتطلب المسبق الحاسم لصون الكرامة، وإمكانية البقاء على قيد الحياة. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان