بل سياسات فاشلة!

يكشف تقرير مركز "تمكين" الذي من المفترض أن يصدر الأسبوع المقبل (وفق خبر "الغد" أمس)، عن أوضاع العاملين الوافدين، أرقاماً ووقائع مهمة تؤشر إلى حجم التخبط في السياسات الرسمية في هذا الملف، المرتبط بدرجة كبيرة بالاختلالات في سوق العمل الأردنية.اضافة اعلان
يذكر التقرير (الذي يحمل عنوان "سياج الغربة") أنّ عدد الموقوفين إدارياً من العمّال الوافدين خلال العام 2015 بلغ قرابة 20 ألف عامل وافد، بينما يقدّر عدد العمّال الوافدين إجمالاً في المملكة بمليون ومائتي ألف عامل، هناك قرابة 315 ألفا منهم (فقط) لديهم تصاريح عمل.
ويشير التقرير إلى أنّ عدد العمّال الوافدين خلال الأعوام 2013-2015، الذين حصلوا على تصاريح عمل، بلغ قرابة 92.500 ألف عامل، قرابة 72 ألفا ذكور، و20.5 ألفا إناث (نسبة كبيرة منهن على ما أظن من عاملات المنازل).
خلال الأعوام الثلاثة نفسها، تمّ تصويب أوضاع قرابة 219 ألف عامل وافد، بكلفة مالية بلغت 62 مليون دينار. في المقابل، إذا كانت كلفة النزيل في مراكز الإصلاح والتأهيل شهرياً 750 ديناراً، فإنّ هناك كلفة أخرى مترتبة على عمليات التوقيف الإداري لآلاف العاملين الوافدين، بخاصة أنّ التقرير أشار إلى وجود اختلالات في عمليات التوقيف.
مثل هذه الأرقام الضخمة للعمالة الوافدة لا تعكس –بأيّ حالٍ من الأحوال- وضعاً طبيعياً أو صحيّاً في مجتمع فتي مثل المجتمع الأردني، يعاني معدلات بطالة مرتفعة، تصل لدى فئة الشباب الأردني إلى 40 %، وفي دولة تعاني من مديونية مرتفعة وعجز كبير في الموازنة، وتخضع لأوضاع اقتصادية صعبة!
هذه المعادلة، بحدّ ذاتها (معدلات مرتفعة من البطالة، وسوق عمل مكتظة بالعمال الوافدين)، هي أحد أكبر الأمراض في الاقتصاد الأردني، وهي موضع تساؤل من قبل المانحين والدبلوماسيين الغربيين. وكل الإجابات من قبل أغلبية المسؤولين لدينا تستند إلى "منطق أعوج" يستبطن فشلاً في الرؤية وعجزاً في التفكير، وتراخياً في إرادة الإصلاح فقط.
أمّا الحديث عن "ثقافة العيب" لدى الأردنيين؛ تلك الشماعة الباهتة التي يرمي عليها المسؤولون دوماً فشل السياسات العامة، فهي كذبة كبيرة لن نصمت عليها بعد اليوم، لأنّك أينما تذهب اليوم في سوق العمل، في المطاعم والمقاهي وحتى خدمات اصطفاف السيارات، وفي "المولات" والمحال التجارية الكبيرة في عمان (وأستطيع أن أذكر لكم عشرات الأمثلة على ذلك)، ستجد شباباً وشابّات أردنيين، نسبة كبيرة منهم في الجامعات يعملون هناك، بأجور قليلة ومحدودة، فقط من أجل تأمين مصاريفهم اليومية.
المشكلة الحقيقية في مكانٍ آخر (غير ثقافة العيب الوهمية!)؛ هي في ثقافة المسؤولين الذين لا يضعون مثل هذه القضية نصب أعينهم، ليبتكروا لنا تصوراً مقنعاً لآليات تجسّر الفجوة بين سوق العمل والشباب، وتلزم القطاع الخاص (في القطاعات الخدمية والسياحية في الحدّ الأدنى) بإعطاء الأولوية للأردنيين، وتقيّدهم بقانون العمل، وساعاته، وبالحدّ الأدنى للأجور، وبالضمان الاجتماعي والتأمين الصحّي، وغيرها من حقوق أساسية للعمّال!
ثمّة ضرورة أيضاً لتعديلات في القوانين والتشريعات لتعزيز بند العقوبات والتشديد على أولوية العامل الأردني، وعلى تعزيز حقوقه في قانون العمل، وعلى الرقابة بصورة عامة. وإذا كان الأمر صعباً، فلنبدأ بقطاعات معينة، ثم نمتد إلى القطاعات الأخرى، مثل القطاعين الخدماتي والسياحي، مع توفير آليات فاعلة وحملة إعلامية لتحقيق ذلك.
تحدثت مع عشرات الشباب الأردنيين الذين يعملون في المطاعم، ويدرسون في الجامعات؛ في تخصصات الطب والهندسة والعلوم الاجتماعية وغيرها، وكم سررت بثقافة هذا الجيل الجديد الذي كسر الحواجز، لكن الحاجز الحقيقي ما يزال في عقول المسؤولين المتذرّعين بحجج خشبية لتغطية تقصيرهم!