بماذا تفكر إيران الآن؟

باغتيالها قائد فيلق القدس قاسم سليماني، دفعت الولايات المتحدة الأميركية إيران إلى الوقوف على الحافة مرتبكة وغير قادرة على تجاوز مثل هذا الاستهداف الخطير لواحد مهم من نظامها، مثّل على الدوام رمز مشروع طهران التوسعي في الإقليم. هي، بلا شك، مطالبة بالرد، غير أنها تدرك أن ردها ينبغي أن يكون محسوبا، بعيدا عن "بورصة" التهديد والوعيد التي انطلقت منذ اللحظة الأولى لاغتيال سليماني. الرسالة الأميركية التي تم توجيهها إلى إيران بأن عليها أن تقلل من تمددها في دول الجوار، كانت قاسية جدا، إلى الدرجة التي أفقدت طهران توازنها، وأدخلتها في حسابات معقدة عن كيفية الخروج من هذا الموقف بأقل الخسائر حفظا لماء وجهها، ولمصالحها الداخلية والخارجية. إيران تدرك جيدا أن كلفة أي خطوة غير محسوبة بدقة ستكون وخيمة عليها. بماذا يفكر قادة إيران الآن؟ هم يدركون أن أي تصرف تجاه واشنطن سيتبعه رد فعل من الأخيرة، وعندها سيغدو كل من طهران وواشنطن حبيسي دوامة ردود الأفعال التي قد تنتهي بما هو أكبر وأخطر على المنطقة بما تمثله من مصالح اقتصادية عالمية تشترك فيها جميع دول العالم. النظام الإيراني المجروح يؤمن بأنه مطالب بتضميد جراحه ورد الصفعة للإدارة الأميركية، لكن خياراته محدودة؛ فالتصعيد العسكري محفوف بالخطر في ظل أوضاع داخلية تعاني منها البلاد، خصوصا مع قمع تظاهرات شعبية على وقع حالة التردي التي يعيشها المواطن هناك، كما أنها عانت كثيرا من حصار أصابها، وعقوبات دولية أنهكتها. الإيرانيون يتهمون نظامهم السياسي بأنه يمارس توسعا في النفوذ في منطقة الشرق الأوسط على حساب نهضة البلد وتطورها، ما أضعفها داخليا، ومن يعاني داخل بيته لن يقوى على خوض معارك خارج حدوده. للتصعيد العسكري الإيراني تجاه أميركا ومصالحها وقواتها وجهان، إما بشكل مباشر، أو من خلال وكلائها في دول عربية عديدة (سورية، العراق، اليمن، لبنان)، ربما لن يكون من الصعب عليها تحقيق أهدافها هنا. لكن بلا شك أن قادة إيران ينظرون بتمعن إلى خطورة هذا السلوك مع دولة عظمى يديرها رئيس لا يفكر كثيرا قبل اتخاذ قراره بالرد. في المقابل فإن قبول إيران بالخسارة دون ردة فعل، سيهز صورتها، ليس أمام شعبها فقط، وإنما أمام أذرعها المنتشرة في تلك الدول، وستفقد الكثير من المناصرين لمشروعها التوسعي. طهران وحدها القادرة على قراءة المشهد الخاص بها وقدرتها على تحمل تبعات أي قرار تتخذه بهذا الشأن. وكما في اليوم الأول من عملية الاغتيال واصلت إيران في اليوم الثاني اطلاق وعودها بشأن الانتقام من واشنطن، وبلغة تهديد أشد بإعلان قائد الحرس الثوري الإيراني أن الانتقام سيجري على نطاق جغرافي واسع من شأنه انهاء الوجود الأميركي بالمنطقة. مساء أمس سقط صاروخ على المنطقة الخضراء في بغداد وتم إغلاق مدخل الطريق المؤدي إلى السفارة الأميركية. هناك طرف ثالث في المعادلة، وهو في منطق الأمور الخاسر الأكبر من كل ذلك، فالعرب تاريخيا لم يكن لديهم مشروع، واغتيال سليماني على أرض عربية يثبت أيضا أننا بلا مشروع حتى الآن. ففي المحصلة لا نحتاج إلى عصف ذهني لندرك أن الساحات العربية هي من ستدفع ثمن أي قرار سيتخذه النظام الإيراني سواء قرر الرد أو التزام الهدوء إلى حين، وعلى رأس تلك الساحات العراق الذي يعاني سياسيا من مصادرة قراره الوطني لمصلحة احتلال إيراني شبه كامل، كما أنه يعاني فوضى أمنية مرشحة لمزيد من التدهور إن قررت إيران أن تتخذه منطلقا للرد على العملية الأميركية. ربما، وفي قراءة أخرى لخطورة المشهد اليومي، هو أن التحالف الدولي لمحاربة المتشددين قرر بالأمس تقليص عملياته العسكرية في العراق، ما يعني احتمالية كبيرة لأن يعيد تنظيم "داعش" نشاطه بعد جهود كبيرة بذلت للقضاء عليه. إنها العودة إلى نقطة الصفر بالنسبة لدولة تشهد تظاهرات كبيرة وعدم استقرار، وعدم يقين في المستقبل.اضافة اعلان