بماذا نستفيد من أوائل التوجيهي؟

الأكيد أن أوائل الثانوية العامة سيدرسون التخصصات التي يرغبون فيها بالجامعات الأردنية، ومنحا دراسية على حساب الدولة. هذا من حقهم دون شك. ومن بعد التخرج ينخرطون في سوق العمل دون أن يتذكر أحد أنهم متفوقون.اضافة اعلان
بمعنى آخر الطالبة ديمة الخصاونة التي حصدت المرتبة الأولى على مستوى المملكة ستدرس الطب في الجامعة الأردنية مثلها مثل مئات الطلبة المرشحين للقبول بهذا التخصص في الجامعات الأردنية، وسيعملون سويا في نفس المستشفيات دون أية ميزة تفضيلية.
قد لايبدو هذا الوضع مستهجنا من الناحية العملية ولاحتى الأكاديمية. لكن هل من بديل لهذا المسار الذي لايميز المتفوقين عن سواهم من الطلبة؟
تستطيع الجامعات الأردنية أن تخرج الآلاف من الأطباء والمهندسين القادرين على رفد سوق العمل باحتياجاته ومن مختلف التخصصات، لكن جامعاتنا ولاعتبارات كثيرة غير قادرة على صناعة العلماء. هذه ميزة تنفرد فيها جامعات عريقة حول العالم، ليس من بينها جامعة عربية على الإطلاق.
الأسماء العربية اللامعة عالميا والمصنفة على قوائم العلماء درسوا وتخصصوا في جامعات غربية عريقة، وعملوا لسنوات في معاملها ومراكز أبحاثها. الراحل أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل ليس سوى مثال على قائمة تضم العديد من الأسماء العربية.
ليس من وسيلة لصناعة العلماء في الأردن سوى العودة وبقوة لتبني سياسة الابتعاث للخارج وعلى نفقة الدولة.
لدى وزارة التعليم العالي بروتوكولات مع دول أجنبية تسمح بابتعاث طلبة أردنيين للدراسة في الخارج، لكنها تقتصر على جامعات عادية وفي دول غير متميزة علميا. ما نقترحه هو ابتعاث أوائل التوجيهي وبمختلف الفروع للدراسة في جامعات أوروبية وأميركية عريقة وتأهيلهم ليكونوا أساتذة متميزين وباحثين مرموقين.
هناك سيقضون حياتهم الأكاديمية بمعاهد ومراكز متخصصة توفر الأجواء المناسبة للبحث العلمي، والحوافز للابتكار والاختراع وإعداد الدراسات العلمية المحكّمة ونشرها في أفضل الدوريات العالمية، والانفتاح على آخر ماتحقق في مجال التطور العلمي والتكنولوجي، وبميزانيات ضخمة.
زويل عندما عاد لمصر كان متسلحا بالمعرفة والعلم وبشبكة علاقات واسعة مع مراكز الأبحاث العالمية، ما أعطاه فرصة لا تتوفر لاقرانه المصريين لتسخير هذه الخبرة في انشاء مركز متخصص في بلده.
لا يغيب عن البال أن الجامعات الأردنية ترسل عددا من خريجيها المميزين لاستكمال دراساتهم العليا في الخارج ثم يعودون للتدريس. غير أن هذه السياسة على أهميتها لاتحدث الفرق المطلوب، فالدراسة لسنتين أو ثلاث تكفي لنيل درجة علمية لكنها لاتصنع من صاحبها عالما متميزا.
كما أن الاهتمام بالبحث العلمي في الجامعات يزداد سنويا وترصد له المخصصات سنويا، بيد أن الخبرة المتواضعة والموارد الشحيحة لاتعطي مجالا لتسجيل اختراقات كبرى في هذا الميدان على غرار الدولة المتقدمة.
في الأصل الجامعات العربية دون استثناء غائبة عن قائمة الجامعات المميزة عالميا في البحث العلمي والابتكار.
دولنا بحاجة ماسة لتوطين المعرفة وإنتاجها. المعرفة هي مصدر القوة للدول، وهذا لن يتحقق إلا بإفراد بند في موازناتنا تحت مسمى صناعة العلماء، وإرسال المتميزين من الطلبة لخوض التحدي في الجامعات العريقة.