بمناسبة اليوم الدولي للترجمة..!

مر أمس، بلا احتفال، «اليوم الدولي للترجمة». ويغلب أن المترجمين العرب لم يتبادلوا التهاني، ومعظمهم لم ينتبه. وكان القصد من هذا اليوم هو أن يشعر به المترجمون بالذات، وأن يكون مناسبة لإضاءة نشاطهم الأساسي. وحسب موقع الأمم المتحدة، فإنه «يُقصد باليوم الدولي للترجمة (أن يكون) فرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دورًا مهمًا في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين».اضافة اعلان
ويضيف الموقع: «إن نقل العمل الأدبي أو العلمي، بما في ذلك العمل الفني، من لغة إلى لغة أخرى، والترجمة المهنية، بما في ذلك الترجمة المناسبة والتفسير والمصطلحات، أمر لا غنى عنه للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الأشخاص. وهكذا، في 24 أيار (مايو) 2017، اعتمدت الجمعية العامة القرار 71/288 بشأن دور المتخصصين في اللغة في ربط الدول وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية، وأعلنت يوم 30 أيلول (سبتمبر) يومًا دوليًا للترجمة».
لكن نَشاط الترجمة في العالَم العربي يُعامل عُموما كشيء هامشي تكميلي، يعمل غالبا بآلياته الخاصة ويديم نفسه بالغريزة والجهود الفردية، بلا تنظيم ولا مخططات ولا غايات مرسومة. وسوف يقول لكَ كثير من المترجمين إن أحدا قال لهم (وقد يكون ناشرا): «وجدتُ عند جارك ترجمة أرخص»، وكأنه يشتري حزمة خضار متطابقة في السوق. وباستثناء المترجمين الذين لديهم وظائف ثابتة في الترجمة، يشتغل كثيرون بها كعمل إضافي في ما يتسنى من وقت. ويُحتمل كثيرا أن يكونوا مغبونين، لعدم وجود منظمات نقابية تدافع عن حقوقهم الأدبية والمادية وتعرّفهم بها.

  • * *
    كنتُ أقرأ شيئا قريبا على موقع «المجلس الأوروبي لروابط المترجمين الأدبيين» –ولو أنه يناقش قضية أخرى من قضايا الترجمة. كتب الموقع:
    «إن ذكر اسم المترجم على الغلاف الأمامي للكتاب ليس ممارسة شائعة في أوروبا، كما يشير مسح حديث بين أعضائنا لمقدار كون المترجم مرئيا -على الرغم من وجود اختلافات كبيرة بين البلدان. في تناقض واضح مع روح "حقوق النشر الدولية" و"توصية اليونسكو في نيروبي"، ما يزال الناشرون يميلون إلى التفكير في المترجمين الأدبيين على أنهم مقدمو خدمة، وليسوا مؤلفين».
    ويحيل الموقع إلى النصوص والتوصيات في هذه المرجعيات، التي تؤكد حقوق المترجم بهذا الشأن ومسألة «ملكية النص». ويشجع المجلس الناشرين الغربيين على الانضمام إلى زملائهم الذين سبقوهم إلى الاعتراف بأحقية المترجم، وفي الحقيقة، هناك من لا يضع اسم المترجم على الغلاف الخارجي ولا الداخلي، ويتعمدون إخفاءه أو تهميشه لأسباب قابلة للتفكيك. وبالإجمال، يؤدي عدم الجدية في فهم الترجمة وكيفياتها ووظيفتها إلى إخضاع معظم المترجمين لشروط الطرف الثاني، على قاعدة التسليع وقانون العرض والطلب.
  • * *
    الترجمة من أكثر الأعمال إرهاقا وإشغالا للذهن وحبسا للجسد. إنها لا تتعلق بالاستماع إلى الآخر بحريّة، وإنما الاستماع المركز لكل كلمة ونبرة، لإعادة إنتاج النص قريبا أكثر ما يكون مما قاله صاحبه. وتلخص أورورا هوماران، رئيسة الجمعية الدولية للمترجمين والمترجمين الفوريين المحترفين، جانبا من شغف المترجم باللغة، فتكتب:
    «ليس لدي أي إحصائيات حول هذا أو أي شيء، لكن حدسي يخبرني أن قلة من الناس يمضون حيواتهم مهووسين بمهنتهم مثل المترجمين. وسوف يؤكد لك أي من أقاربنا أو أصدقائنا ذلك بالتأكيد. إننا، بلا شك، نقضي جزءًا كبيرًا من وقتنا منغمسين في أداتنا الرئيسة: اللغة… إننا نقارن ما يقوله الممثلون في الواقع بترجمة فيلم. ونقرأ، بشغف مدقق حسابات، الإصدارات ثنائية اللغة من المجلات على متن الطائرات التي نستقلها… ونحن ننتقد قوائم الطعام والشراب في المطعم والمقهى. واعتمادًا على شخصياتنا الفردية، يمضي بعضنا حياته في تصحيح الآخرين؛ ولكن حتى لو لم نفعل، فإن الشيء الرئيسي هو أننا دائمًا نراقب ونستمع باهتمام. دائما. نحن نفكر باستمرار في اللغة».
    ربما يعرف أقارب وأصدقاء المترجمين أيضا عن ذلك الاعتكاف الجبري الذي يقتضيه التفاوض مع نص مراوغ، والذي لا يحتمل تدخلا ثالثا. وهو لا يختلف عن «رهبنة» المؤلف –سوى أن المترجم يتحاور مع ذات أخرى ولغة أخرى أيضا، حيث ليس خروجه خالي الوفاض خيارا.
    كل عام والمترجمون وأصدقاء الترجمة بخير.