بمناسبة حديث الانتخابات: من هو "الفلسطيني"؟

حضرتُ قبل سنوات لقاء "غير رسمي" للتعارف والصداقة فقط، كان فيه ناشط فلسطيني في دول الخليج العربية، وناشط من فلسطين المحتلة العام 1948، وناشطان فلسطينيان من ألمانيا؛ وكانوا 4 أشخاص بثلاث جنسيات. أحد الناشطين من ألمانيا، وهما الأقل معاناة في موضوع الجنسية وحقوق المواطنة، أخبرنا قصته. هو طبيب مضت على وجوده في ألمانيا عقود، وولد أبناؤه هناك، وبدأ يفقد طلاقته باللغة العربية بمرور الزمن. ولكنه أخبرنا كيف قاتل سنوات ليحصل لنفسه ولعائلته، على وثيقة لاجئين من وكالة الغوث "الأونروا". هدفه تأكيد فلسطينيته وتوريثها؛ فقد وجد أنّ هذه البطاقة التي تعطى للاجئين، والتي يسميها كثيرون باسم "كرت المؤن" لارتباطها بالمساعدة الغذائية، هي وسيلة لإثبات الهوية، حتى إن كان لا يحتاجها لأسباب معيشية. وتساءل الجالسون عن جدوى وإمكانية تعميم الفكرة.اضافة اعلان
فَتَح اجتماع لجنة تفعيل منظمة التحرير في عمّان الأسبوع الماضي، والاتفاق مبدئيا على إجراء انتخابات مباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، الحديث عن الذي يمكن أن يشارك في الانتخابات. ومع أنّ الحديث في بداياته، فإنّ الموضوع استفز كثيرين للتفكير، والبعض للغضب لأنه قد يستثنى.
فمثلا، الاتفاق المعلن على استثناء الأردن أثار أسئلة من نوع: وماذا عن حملة بطاقات الجسور الصفراء؟ هل مقبول ذهابهم للتصويت في الضفة الغربية؟ ثم ماذا عن أبناء قطاع غزة، وكثيرون ممن لا يحملون رقما وطنيا أو جنسية؟
في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لفت انتباهي إعلان في صحيفة القدس العربي بعنوان "التسجيل المدني للانتخابات المباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني"، ويشير إلى حملة باسم "حملة التسجيل المدنية". بالتنقيب في موقع الحملة على الإنترنت، يتضح أنّ طلبة فلسطينيين في بريطانيا هم من بدؤوا المحاولة. ويمكن الاستنتاج من الموقع أنّ المشروع مرتبط بمشروع أشرفت عليه قبل سنوات الأكاديمية والناشطة الفلسطينية كرمة النابلسي، وكان يدعو إلى تشكيل مجلس وطني جديد قبل العام 2006. وبحسب المشروع الجديد، سيبدأ التسجيل للانتخابات في ربيع 2012، أي خلال أشهر. ويحدد القائمون على الحملة أنّ "40 في المائة فقط من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يحق لهم التصويت هم مسجلون للانتخاب". وهدف الحملة مساعدة غير المسجلين، أي 60 في المائة، ليتمكنوا من تسجيل أنفسهم إلكترونيا للانتخابات في جميع مواقعهم. وتحدد الحملة المؤهلين للتسجيل بأنّهم من ولدوا داخل حدود فلسطين كما هي محددة في عهد الانتداب البريطاني، أو كان من حقهم الحصول على الجنسية الفلسطينية، أو ولدوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، أو أسلاف هؤلاء، أو كل متزوج/ متزوجة من فلسطينية/ فلسطيني. أحد الأسئلة التي طرحت نفسها وأنا أقرأ هذا النص: هل فلسطينيو 1948 من ضمن الـ60 بالمئة؟
هذه الحملة، وأي محاولات شبيهة، تعبّر عن مشكلة لوجستية وقانونية قائمة. وهناك ناشطون خبراء في تكنولوجيا المعلومات يؤكدون أنّ آلية للانتخاب عبر الإنترنت ممكنة، ومضمونة قانونيا، ولكن طبعا هناك أيضا مشكلات سياسية. فإذا كان جزء من الفلسطينيين لديهم وثائق (هويات وجوازات سفر فلسطينية، وربما وثائق سفر ولاجئين)، فإنّ السؤال الآن كيف ستحل مشكلات الآخرين، وخصوصا السياسية؟ لا في الأردن وحسب، بل وفي دول أخرى.
إذا كان الوصول إلى مرحلة انتخابات المجلس ما تزال أمامه عقبات، قبل حتى مواجهة مشكلة من يحق له الانتخاب، فإنّه لا يجب أن تؤدي العقبات إلى التراجع عن الانتخابات وتقليصها. والمطلوب كذلك فتح نقاش صريح وواضح حول طبيعة الواجبات والحقوق المطلوبة من الفلسطيني، في كل أماكن وجوده. إذا كان من البديهي أنّه مطلوب منه مراعاة متطلبات سيادة وأمن الدول التي يعيش فيها، وأن لا يوجِد سلطة موازية، فإنّ المطلوب مراجعة الوضع حيث يطلب منه نسيان أنّه فلسطيني، كلما حاول التحرك في عمل قوي للعودة، ومطالبته بأن يتذكر أنّه فلسطيني وضيف إذا طالب بحقوق مدنية ومعيشية. المطلوب تصور متكامل للحقوق والواجبات، وهوامش العمل المطلوبة والممكنة إزاء فلسطين وإزاء حياته وإزاء الدول المضيفة أو التي هو أيضا مواطن فيها ويدين لها بالحب والولاء والانتماء كما هو الأمر بالنسبة لفلسطين.

[email protected]