بنوك المشاركة .. إسلامية الهوية والجوهر

د. غسان الطالب*

ليس مصادفة ان تتحدث تركيا عن أهمية وسائل التمويل الاسلامي وتشجع على اعتمادها من قبل مجموعة العشرين، وفي اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن كذلك، كونها تمثل ادوات تمويلية اضافية قليلة المخاطر، اثبتت نجاعتها وفعالية ادائها ابان الأزمة المالية العالمية وبأنها أكثر امانا، حيث كانت الصناعة المصرفية الاسلامية اقل تأثرا بنتائجها.   اضافة اعلان
تركيا اليوم تمر بمرحلة نمو وازدهار اقتصادي نقلها إلى المركز السابع عشر في الترتيب بين أكبر اقتصادات العالم والسادسة أوروبيا، اضافة إلى تصنيفها في المركز الأول في مجموعة منطقة غرب آسيا كوجهة للاستثمارات الاجنبية الباحثة عن فرص الاستثمار، مسجلة بذلك ثاني أعلى نسبة نمو في الناتج المحلي الإجمالي بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما اثر ايجابا على نمو الصناعة المصرفية الاسلامية وانتشارها على امتداد المساحة الجغرافية لتركيا حيث يوجد بها حاليا اربعة مصارف إسلامية مع شبكة من الفروع تصل إلى 50 فرعا ، باصول بلغت 36 مليار دولار للعام 2014، اي ما نسبته  5 % من أصول الجهاز المصرفي التركي، محققا ضعف النسبة التي حققتها البنوك التقليدية حيث تقترب من 25 % ، مقابل نسبة 13 % نسبة نمو البنوك التقليدية في العام الذي سبقه، ومن المتوقع ان تكون حصتها من السوق المصرفي التركي بحدود الـ 9 % في العام 2017  و15 % حتى نهاية العام  2023.
تركيا التي ما تزال حسب دستورها دولة علمانية، لكنها في الواقع تمارس نشاطها وتتصرف كدولة إسلامية، لديها اجندة اقتصادية وتتطلع للمزيد من تحقيق نمو اقتصادي لتنافس اقتصادات بعض دول الاتحاد الأوروبي الذي ما يزال يرفض انضمامها اليه، لاعتبارات لا مجال لذكرها في هذه المقالة المحدودة المساحة ، لكن ما يمكن التأكد منه بأنها اليوم تشهد تحولات اقتصادية سريعة باتجاه استقطاب رؤوس الاموال الإسلامية الباحثة عن اسواق استثمار جديدة من خلال الانفتاح على الصناعة المصرفية الاسلامية والتي مما لاشك فيه ان اعدادا كبيرة من المستثمرين الاتراك يميلون الى تبني مبادئ الفلسفة الإسلامية في استثمار اموالهم، اضافة إلى صغار المدخرين الذين مايزالون يرفضون وضع مدخراتهم في البنوك التقليدية ولا حتى التعامل معها اخذا وعطاء لاعتبارات دينية بحتة، فالوصول اليهم وجذب مدخراتهم بكل تأكيد هو مكسب كبير للاقتصاد الوطني التركي، وهذا الدور الذي يمكن للمصارف الإسلامية المنتشرة في اغلب المدن التركية ان تقوم به، اضافة إلى انها أي تركيا، اصبحت وجهة مفضلة للملتقيات والمؤتمرات والندوات الدولية خاصة في اسطنبول، العاصمة التاريخية والاقتصادية وبوابة تركيا إلى أوروبا .
رغم كل هذا ما تزال الصناعة المصرفية الإسلامية في تركيا تواجه عدة تحديات من ابرزها الضغوط الأوروبية على هذا البلد للالتزام بالمعايير المالية المعتمدة في دول الاتحاد الأوروبي كشرط من شروط الإصلاح المالي لقبول طلبها في الانضمام للاتحاد الأوروبي علما بأن العديد من العواصم الأوروبية بدأت السباق للاستئثار بالسوق المصرفي الإسلامي من خلال السماح لبعض المصارف بالتعامل مع الادوات المالية الإسلامية أو بتواجد للمؤسسات المالية التي تعمل وفق مبادئ الشريعة الإسلامية فوق اراضيها، وخاصة في اصدارات الصكوك الإسلامية، كما هو الحال محاولة لندن لتكون مركزا للصناعة المصرفية الإسلامية في تنافس مع دبي وكوالالمبور، تم تلتها باريس ومدريد واخيرا بون، اما التحدي الاخر وهو المنافسة مع البنوك التقليدية والتي تقدر بحدود الـ 80 بنكا تشكل الجهاز المصرفي التركي، تتمتع بحجم اصول ضخم اضافة إلى الخبرة المصرفية لة بحكم تواجده منذ عقود طويلة ومتمتعا بقوانين وتشريعات ذات طابع علماني تحكم ادائه.

*خبير في التمويل الاسلامي