بوتفليقة يستقيل: الخطوات التالية على طريق مجهول

Untitled-1
Untitled-1

بِن فيشمان* - (معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى) 3/4/2019

في 2 نيسان (أبريل)، قدّم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقالته إلى المجلس الدستوري، في خطوة أعقبت ستة أسابيع من التظاهرات الحاشدة التي نظمها المواطنون احتجاجاً على ولايته الخامسة المحتملة وقضايا أخرى. وحاول أنصار الرئيس المستقيل إرضاء المتظاهرين من خلال تقديم مجموعة من التنازلات الجزئية، ومنها تأجيل الانتخابات حتى نهاية العام؛ والوعد بعدم سعي بوتفليقة إلى الاستمرار في المنصب لولاية أخرى؛ واقتراح عملية تعديل دستوري وخطة انتقالية يقودها الدبلوماسي الذي يلقى احتراماً دولياً، الأخضر الابراهيمي؛ وإعادة توزيع المقاعد الحكومية مرتين. إلا أنّ حركة الاحتجاجات الناشئة لم توافق على أيّ من هذه الاقتراحات، لا سيما ذلك المتعلق بتمديد الولاية الرابعة لرئيسٍ عاجز لم يظهر إلى العلن منذ إصابته بجلطة دماغية في العام 2013.اضافة اعلان
وزاد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح القاضي الضغوط في 26 آذار (مارس) عندما دعا إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، والتي يتم بموجبها الإعلان رسمياً أن الرئيس عاجز عن تأدية مهامه. إلا أن المحتجين رحبوا بحذر بهذا التوجه، وبدؤوا يطالبون بتغيير "النظام"، في تعبيرٍ عن إحباطهم من استمرار نخبة غير شفافة في الحكم.
في الوقت الحالي، سوف يضطلع رئيس مجلس الأمة الجزائري، عبد القادر بن صالح، بدور الرئيس المؤقت وفقاً لما ينص عليه الدستور -طالما يبقى الدستور سارياً. أما بعد ذلك، فما سيحدث هو مسألة تكهنات. ومع ذلك، هناك مبادئ عدة يجب أن توجّه كيفية تعامل واشنطن مع الوضع في المرحلة المقبلة.
الحذر من المقارنات
قد يكون من المغري جدّاً مقارنة المأزق الجزائري بالتطورات الإقليمية الأخرى -مثل حركة الاحتجاجات الجماهيرية والهيمنة العسكرية اللاحقة في مصر، أو القمع الذي مارسه نظام الأسد في سورية، أو الرأسمالية المحببة الملحوظة في تونس. ولكن، يجب من التعاطي مع الوضع الراهن في الجزائر على أساس حيثياته الخاصة. فقد لاحظ الكثيرون أن الجزائر سبق أن اختبرت "ربيعاً عربياً" في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم عندما جرّبت الانتخابات المفتوحة لتعود وتلغيها بعد فوز الإسلاميين، وهو ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية وقدوم حقبة "العقد الأسود". ومع أن ذلك يشكّل بالتأكيد مرجعاً تاريخياً صالحاً، قد لا يكون الافتراض بأنه سيُثني المتظاهرين أو القوات العسكرية أو الحكومة عن التصعيد إلى مواجهاتٍ عنيفة خلال الأزمة الحالية، أكثرَ من مجرّد تفكير خيالي. وببساطة، من غير الواضح بما فيه الكفاية كيفية عمل دائرة صنع القرار والطبقة الحاكمة الأوسع في الجزائر، (“Le Pouvoir” كما تُعرف باللغة الفرنسية)، مما لا يترك للمراقبين أكثر من مجرد إطلاق تكهنات عامة حول كيفية استجابة السلطات للأزمة الحالية.
مراقبة القوات العسكرية
هل يشير الحل الدستوري الذي اقترحه أحمد قايد صالح بعزل ببوتفليقة إلى انشقاقٍ داخل الدائرة الحاكمة، أم إلى جهدٍ حثيث يبذله بعض العناصر من أجل تجاوز مسألة الرئيس المريض مع الحفاظ على سلطتهم الكلّيّة؟ وصف بعض المراقبين خطوات رئيس أركان الجيش بأنها انقلاب. ووفقاً لبعض التقارير، فإنه طالب في إطار خاص باستقالة بوتفليقة تماماً قبل أن يقدمها الرئيس. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: إلى أي حد يقف الجيش بالفعل وراء هذه المرحلة الانتقالية، وما هي التنازلات الإضافية التي هو مستعد لتقديمها إذا استمر المحتجون في المطالبة بإجراء انتخابات حرة وتغيير النظام؟ حتى الآن، كانت القوات الحكومية تُبدي انضباطاً بشأن تجنب العنف والسماح للمحتجين بالتظاهر بحرية. وسوف يحدد استمرار تلك الدينامية مدى استقرار المرحلة المقبلة، لا سيّما إذا حدث وأنْ تجاوزَ المتظاهرون أي خطوط حمراء ربما يكون الجيش قد رسمها داخلياً.
إنه الاقتصاد
ربما كان مشهد العيش لأكثر من عشرين عاماً تحت حُكم بوتفليقة الدافع المباشر وراء اندفاع الاحتجاجات، لكنّ الأسباب الكامنة وراء ذلك هي الركود الاقتصادي المستمر، وبطالة الشباب، وضعف البنية التحتية العامة بالنسبة لمجتمعٍ شابٍّ متضخم (44 في المائة من سكان الجزائر البالغ عددهم 42 مليون نسمة لم يبلغوا الرابعة والعشرين من العمر). وكانت الحكومة تستهلك احتياطياتها الأجنبية بمعدّلٍ سريع، بعد أن تراكمت عندما تخطى سعر النفط حاجز 100 دولار للبرميل الواحد في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وتشمل الميزانية الأخيرة الإنفاق الاجتماعي غير المستدام والإعانات.
في غضون ذلك، تعرضت جهود تحرير الاقتصاد وتنويعه للعراقيل من جانب نُخَب السياسة والأعمال الذين يستفيدون من النظام الحالي (ومُنع بعضهم من مغادرة البلاد في الأيام الأخيرة، مما يشير على الأرجح إلى خططٍ لاستخدام بعض أسوأ الجناة ككبش فداء، أو للإطاحة بالموالين لبوتفليقة). وعلاوة على ذلك، تَحدّ السياسات الاقتصادية الداعمة للدولة من الاستثمارات الأجنبية الضرورية جداً، لا سيّما في قطاع الطاقة، حيث يتعين على الشركات المشاركة امتلاك الجزائريين ما لا يقل عن 51 في المائة من الحصص. ومن دون المزيد من التنقيب والتكنولوجيا الجديدة، لا يُتوقَّع استدامة احتياطات البلاد من النفط وقدرتها على الإنتاج لأكثر من عشرين عاماً إضافيّاً. ولم يتراجع الإنتاج خلال الأزمة الراهنة، لكنّ الاضطرابات دفعت شركة "إكسون موبيل" إلى تعليق المحادثات مع الحكومة حول تطوير الغاز الصخري.
إنّ الجزائر بحاجة إلى حكومة مستقرة لمعالجة هذه القضايا المعقَّدة. ولا شك في أن أي إدارة تأتي بعد بوتفليقة ستميل إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي وتَجاهُل الاستثمارات والإصلاحات طويلة الأجل، لكن ذلك النهج لن يؤدّي إلا إلى تفاقم الحالة الاقتصادية للبلاد.
وفي أفضل الحالات، ستقود حكومة انتقالية الجزائر نحو عملية إصلاح دستوري وإجراء انتخابات نزيهة، مما يؤدي إلى قدوم حكومةً منتَخَبَةً باستطاعتها البدء في اعتماد الإصلاحات الاقتصادية الضرورية مع الحفاظ على ولاء الجيش. ومع ذلك، فإن فرص إجراء هذه العملية بسلاسة تبدو ضئيلة.
سوف يصب إجراء عملية انتقالية سلسة في الجزائر في مصلحة الولايات المتحدة، نظراً للمصالح الأمنية العميقة الموجودة على المحك. وسوف تعاني الدول والمناطق التي تجاور الجزائر؛ أي ليبيا والساحل ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، جميعها بشكلٍ كبير إذا لم تتمكن السلطات المحلّيّة من ضبط الحدود والسيطرة على الإرهاب والتهريب والهجرة الجماعية.
لكل ذلك، بينما يتعين على واشنطن التأكيد أن الجزائريين وحدهم هم الذين سيصوغون الأحداث الداخلية (كما أشارت وزارة الخارجية الأميركية في مؤتمر صحفي في 2 نيسان/أبريل)، فإن عليها أيضاً إعلام الأطراف المعنية بأن العملية الانتقالية يجب أن تكون سلميةً وشفافة. ويمكن أن تبدأ يبدأ نقل هذه الرسالة باتصال تهنئة يجريه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع الرئيس الجزائري المؤقت، بالإضافة إلى إرسال رسائل خاصة إلى جهات اتصال عسكرية رفيعة المستوى فضلاً عن رسائل من السفارة الأميركية إلى الشعب الجزائري عبر موقع "تويتر" ومنصات أخرى.

*زميل رفيع في معهد واشنطن والمدير السابق لشؤون شمال إفريقيا في "مجلس الأمن القومي" الأميركي.