بوح أم

كم كبير من القلق هو ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة. قلق سببه دور الأم وما ينطوي عليه من صعوبات ما تزال تزداد تعقيداً مع كل يوم يكبر فيه الأبناء. قد يكون كلاماً صادماً الاعتراف بهذا التشويش والقلق، ولكن أريد أن أضع يدي على الوجع، لأقول إنه المحيط، بوجهيه؛ الافتراضي والواقعي.اضافة اعلان
أعترف بأنني شوشت نفسي كثيراً حين بدأت أنقاد وراء مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي ممن أخذوا على عاتقهم «تعليمنا كيف نربي»، ولا أعرف إن كان السبب أنني أريد أن أعرف أكثر أم الخوف من مهمة كانت جديدة علي.
في البداية اعتقدت أن كل ما تعلمته من تلك الصفحات ساعدني في تربية طفل صوره لي بعض منظري السوشيال ميديا على أنه «مثالي»، وهو أمر استمر إلى أن دخل طفلي الروضة، وبدأ الاختلاط والتعرف إلى أنماط سلوك مختلفة ومتنوعة، لتبدأ الكارثة، ففي البداية كان محيط طفلي من صنعي وحدي، وكان الأمر أشبه بمسطرة وقلم أرسم بهما المسارات التي أظنها صحيحة، لكن أتى المحيط الحقيقي و فرض نفسه على المعادلة، ليبدأ الارتباك يشوب طفلي وتربيتي أيضاً، ولأجد نفسي مضطرة على صياغة كل موقف وفكرة بمعايير جديدة تماما، ولأكتشف، أيضا، أنني كنت أرى الصورة من جانب واحد فقط.
الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه هو تجاهل أن لكل طفل شخصيته، والتعامل مع التربية، وهي عملية معقدة بطبيعة الحال، على أنها معادلة بسيطة (حب + اهتمام= طفل مثالي) بحسب ما تعلمته من وسائل التواصل الاجتماعي طبعاً. في الواقع إنها معادلة جيدة، لكنها لا تنفع في كل الأحوال، فهذا الكائن الصغير سرعان ما يستغل الحب والاهتمام وغياب العقاب ليمارس نوعا من الابتزاز غير المقصود من أجل تلبية مطالبه التي يراها حقاً له، وسرعان ما تنتابك مشاعر الخوف من تربية طفل اتكالي غض جداً سريع العطب.
الخطأ الآخر كان في تصديق ذلك الكم الهائل من الكذب عن أم مثالية تصنع طفلاً مثالياً، ولا أدري كيف تهيأ لي أن يكون مثل هذا الأمر متاحاً، ونحن نتحدث عن الحياة البشرية، والتي من أبسط بديهياتها أن لا مكان للمثالية فيها. هنا أدركت أني بحاجة إلى صياغة معادلات منطقية أكثر اتصالا بالواقع وأكثر إنصافاً لي ولطفلي، وعرفت أن الحب والاهتمام قرينا الحزم في كثير من المواقف التي تحدث بيني وبين طفلي، والحزم هنا ليس الضرب طبعاً كما قد يحلو للبعض أن يفسره، وإنما ذلك السلاح الذي يقودك إلى مكان تجعل طفلك فيه قادراً على فهم حقيقة حدوده، وأن العالم بأسره له لكنه لغيره أيضاً.
أريد أن أعترف وأن تعترف كثير من الأمهات، أننا ننقاد اليوم وراء بعض المنظرين في التربية على نحو يصورنا وكأننا لا نحب أبناءنا ولا نحسن تربيتهم، بل إننا بحاجة إلى تلك «الكتالوجات» الجاهزة التي يقدمونها لنا حول تربية أبنائنا، وتلك واحدة من أكبر الكوارث، لأنها تتجاهل الفطرة الأمومية التي يقودها الحب، سواء أخذ شكل القسوة أحياناً أم الحنية أغلب الأحيان، والتي من شأنها وحدها أن تؤسس لإنسان مسؤول قادر على التفاهم مع هذا العالم أحياناً ومواجهته أحياناً أخرى.
أردت الاعتراف بالمشكلة كأول خطوات الطريق نحو الحل، وهو حل يستدعي الكثير من الصبر والبحث والقراءة.. والحب طبعا.