بورصة عمان تتجه نحو دورة حركية جديدة

مستثمرون يتابعون شاشات التداول في بورصة عمان -(ارشيفية)
مستثمرون يتابعون شاشات التداول في بورصة عمان -(ارشيفية)

أ.د سامر الرجوب*
عمان - يعد سوق عمان المالي من الأسواق الناشئة التي برزت بقوة من بين مثيلاتها في المنطقة مع بداية الألفية الثانية.اضافة اعلان
 وشهدت السوق تداولاً نشطا لأسهمها وزيادة حجم الاستثمار فيها لأكثر من ضعف الناتج المحلي الاجمالي حتى باتت فرص الاستثمار في بورصة عمان مقصداً لجمهور المستثمرين في الداخل والخارج بوصفها بديلا استثماريا مغريا لهم لتوافر فرص تحقيق الأرباح الاستثمارية المجزية على المدى القصير، وفي بعض الأحيان فرصة لوضع الأموال في استثمار طويل الأمد في اسهم بعض الشركات ذات الاستقرار المالي ومطردة النمو، وهي بذلك تتشابه في الصفات مع تلك في بعض الأسواق العالمية.
لكن وبالرغم من ذلك ما يزال سوق عمان يعاني من بعض نقاط الضعف ويمتلك بعض الخصائص التي تؤثر دوماً على استقراره، وتؤثر في تغيير انطباعات جمهور المستثمرين حول جدوى الاستثمار فيه بوجود التذبذب الموسمي العالي لعوائده وارتفاع المخاطرة فيه.
 كما انه وبالرغم من هذا التطور الذي شهده سوق عمان المالي وتطبيق الأنظمة والتعليمات التي تتماشى مع المعايير العالمية؛ الا ان السوق المالي أخفق في كثير من المرات في تدعيم مبادئ الشفافية والإفصاح، وفي الحد من ممارسات التحكم بالأسواق أو الممارسات التي تتسبب في خلق الفقاعات السعرية أو التحكم بمشاعر المتعاملين في السوق وتوجيهها بما يخدم مصالح بعض أصحاب رؤوس الأموال الضخمة ( كما حدث في العام 2005 ).
 ناهيك عن المشاكل الهيكلية التي يعاني منها السوق المالي من غياب خاصتي العمق والاتساع (depth and breadth) والتي تمكن حركات البيع والشراء الضخمة من قبل بعض المستثمرين في توجيه دفة الأسعار وتوجيه القرارات الاستثمارية لدى باقي المستثمرين ذوي الاستثمارات المتوسطة والصغيرة، والذين يشكلون نسبة لا بأس بها من بورصة عمان، ما يوجه الأنظار للحاق بالاشاعة وتعقب أماكن تركز الطلب بعيدا عن العوامل الحقيقية مثل المعلومات والنسب المالية التي تعكس الأوضاع المالية لتلك الشركات.
هذا وقد أشارت الخطة الاسترتيجية المعدة من قبل هيئة الأوراق المالية للأعوام 2010-2012 وبصراحة إلى ضرورة حماية أسواق راس المال من المخاطر وحماية المتعاملين والمستثمرين في البورصة، وضرورة تنظيم وتطوير رأس المال ورفع أداء الهيئة.
 ولن نشير إلى نقاط القوة والضعف في السوق المالي وإنما سنضع المجهر على نقطة في غاية الأهمية، وهي دورة حركة الأسهم في سوق عمان المالي والتوقعات للعام 2013.
 فسوق عمان المالي كغيره من الأسواق يتحرك ضمن دورة استثمارية زمنية تتراوح بين الازدهار المتدرج حتى الوصول لأعلى مستويات سعرية لمؤشرها العام، ومن ثم النزول المتمثل بعمليات البيع الحثيث الذي تؤدي الى انخفاض المؤشر السعري، ومن ثم بعد ذلك يعاود الصعود التدريجي حتى يعود الى القمة من جديد وهكذا دواليك، حاله في ذلك حال الكثير من الأسواق الناشئة التي تتصف بالعائد المرتفع والمخاطرة العالية، مع وجود بعض الخصوصية التي تخص السوق الأردني عن غيره.
اما هذه الخصوصية فتتمثل في أغلب الأحوال بالسرعة الهائلة لارتفاع مستوى الأسعار العام للأسهم في سوق عمان المالي من دون ان يكون هناك تدرج وانخفاض وسقوط حاد وسريع للمؤشر الذي يضرب به للقاع من خلال البيع الحثيث لجمع أكبر ما يمكن جمعه من الأرباح أو لتقليل حجم الخسائر.
هذه الحركات النمطية المتكررة خلال الفترة الماضية جعلت السوق المالي الأردني اقرب الى سوق فقاعات سعرية تتشكل باستمرار وتكون متماثلة في الشكل العام مختلفة في الأحجام ومتأثرة بالحالة الصحية للاقتصاد المحلي، وبالأوضاع الاقتصادية للدول المحيطة والدول التي تربطنا معها علاقات اقتصادية، وبالأوضاع السياسية السائدة في دول الجوار. عوامل منفردة كانت أو مجتمعة تؤثر على معنويات المستثمرين سلباً او ايجاباً وتؤثر على نمو او تراجع السوق المالي وحجم النشاط فيه والانجذاب أو العزوف عن الاستثمار فيه من قبل جمهور المستثمرين.
والمتابع للدورة الاقتصادية لحركة اسعار الأسهم في سوق عمان المالي للسنوات الماضية، يرى وبكل وضوح وجود نمط متكرر لحركة المؤشر السعري لأسعار الأسهم متخذة شكل حرف (u) -باللغة الانجليزية- ويتراوح عمر هذه الدورة ما بين ثلاث الى خمس سنوات اي أن الفترة الزمنية بين اعلى نقطتين، اللتين تمثلان نقاط النمو المطرد وازدهار السوق.
 كما ان هذه الحركة النمطية تختلف في حدتها فتارةً هي حادة وسريعة التشكل مثل تلك في الأعوام من 2003  و2005 وتلك بين 2005 و2008 وتارة هي ضعيفة وبطيئة التشكل بين الأعوام 1999 و2003 و2008 و2013.
أما ما هو مسؤول عن الاختلاف في الحدة وسرعة التشكل، فهو درجة تأثر جمهور المستثمرين بالحالة الاقتصادية والسياسية للأردن ودول الجوار وتوافر السيولة والثقة بالدينار.
 والجدير بالذكر ان الدورة الحركية الجديدة لأسعار الأسهم قد بدأت بالتشكل مع نهاية العام 2012 وبداية العام 2013 لكنها تتشكل ببطء فقد بدأ حجم التداول في سوق عمان بالزيادة وبدأ المؤشر بالارتفاع التدريجي، وخصوصا خلال العام 2013 الذي اتصف بالارتفاع شبه المستمر، فمؤشرات الاقتصاد الكلي قد بدأت بالتحسن، ومؤشرات استقرار الدينار قد بدت واضحة، ومؤشرات الاستقرار السياسي المحلي قد بدأت بالتشكل، واثبتت الأردن من جديد انها المكان الآمن للاستثمار.
اما الأسباب وراء هذا البطء في استجابة الدورة الجديدة لأسعار اسهم السوق وضعف استجابة غالبية اسعار الأسهم المتداولة لمؤشرات التحسن المذكورة آنفا، فيكمن في الخوف من قبل جمهور المستثمرين وعدم التأكد من الأوضاع الاقتصادية والسياسية لدول الجوار، بالاضافة الى ارتفاع مستويات التضخم المحلية بفعل ارتفاع اسعار الطاقة، وتردد صناع السوق "غير المرئيين" الذين تتوفر لديهم عادةً السيولة العالية ويمتلكون الحصص السوقية الضخمة داخل سوق المال الأردني للعودة الآن وبقوة لتحقيق الأرباح، فهم الآن في حالة سبات حتى تتحسن فرصهم للعودة وتحريك السوق من جديد.
اذن بالمحصلة فالسوق المالي وبورصة عمان متجهة الآن نحو دورة حركية جديدة ستتشكل خلال السنوات القليلة المقبلة نحو الازدهار وتوفر فرص الربح ودخول المستثمرين الى السوق من جديد.
* خبير مالي