بومبيو في عمان.. اختبار النوايا

بين الرياض التي غادرها وعمان التي وصلها أمس، تختلف الأولويات على أجندة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، تبعا لحسابات العاصمتين.
في الرياض، وهذا كان مفهوما، هيمن الملف الإيراني على مباحثات بومبيو، إضافة إلى الحرب في اليمن التي تصنف سعوديا تحت بند النفوذ الإيراني وتداعياته الخطيرة على أمن السعودية ودول الخليج.اضافة اعلان
لا يهمل الأردن الموضوع الإيراني أبدا، خاصة في بعده السوري، لكن الأولوية بالنسبة لعمان هي القضية الفلسطينية ومن ثم التعاون الثنائي الوثيق مع واشنطن في المجال الاقتصادي وملف محاربة الإرهاب في المنطقة.
نسجت الدبلوماسية الأردنية علاقات وطيدة مع الوزير الأميركي السابق تيلرسون، لكن كان معروفا لدى الجميع أنه يعيش في عزلة داخل أروقة إدارة ترامب، ولا يملك تأثيرا قويا على توجهاتها، وبشكل خاص في الملف الفلسطيني الإسرائيلي.
بومبيو في وضع مختلف؛ فهو من أقرب الشخصيات لترامب، ويشاطره الأفكار والتوجهات نفسها حيال ملفات خارجية عديدة. قد يبعث هذا الاستخلاص على التشاؤم، لكنه في الوقت نفسه يمثل تحديا للدبلوماسية الأردنية والعربية عموما، لبذل أقصى جهد ممكن في محاولة لإقناع إدارة ترامب بتبني مواقف أكثر عقلانية وحكمة تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
ليس ثمة الكثير من البوادر الإيجابية في هذا الصدد؛ فالرئيس الأميركي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل،ونقل السفارة الاميركية اليها، ويفكر بحضور حفل افتتاحها بعد أسبوعين بالتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية التي أسست لأطول صراع في تاريخنا المعاصر.
لم يتحدث بومبيو بقدر كاف بعد عن آرائه وتوجهاته في السياسة الخارجية، لكن اختيار الشرق الأوسط كمحطة أولى لجولاته الخارجية، يعطي دلالة على مستوى اهتمامه بالمنطقة وقضاياها.
زيارته الأولى للأردن تمثل فرصة لاختبار المواقف والنوايا. المؤكد أن ملف التعاون الثنائي يساعد كثيرا على إيجاد لغة مشتركة بين الطرفين. وبحكم موقعه السابق في قيادة الاستخبارات الأميركية، وإن لم يكن ذلك لفترة طويلة، تكونت لدى بومبيو صورة جيدة عن أهمية الأردن كحليف موثوق للولايات المتحدة في المنطقة ودوره المحوري في الحرب على الإرهاب.
لكن الاختبار الأهم هو الكيفية التي ينظر من خلالها للملف الفلسطيني. تفيد تقارير صحفية من واشنطن أن ترامب ينوي إعلان خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عقب مشاركته في حفل تدشين سفارة بلاده في القدس المحتلة. إن كانت هذه التقارير صحيحة، فإن منتصف الشهر المقبل سيشهد حدثين مهمين يحملان تأثيرا بالغا على مستقبل المنطقة؛ما بات يعرف بصفقة القرن، وانسحاب واشنطن المتوقع من اتفاق إيران النووي.
بومبيو، وبحكم قربه من ترامب، قادر على توضيح الموقف الأميركي للجانب الأردني بشكل أفضل من سلفه تيلرسون، والرد على عديد الأسئلة الأردنية بشأن الصفقة المفترضة. المباحثات تبدو إذا فرصة ملائمة لعرض المخاطر المترتبة على تقديم خطة للسلام لا تستجيب لمتطلبات السلام العادل، ومحاولة التأثير على موقف الإدارة الأميركية ولو في الربع الأخير من الساعة، لتجنيب عملية السلام مزيدا من الفشل والتعثر.
الأكيد أن الوزير المعين حديثا سيصغي باهتمام لوجهة النظر الأردنية التي طالما اختبرتها سنوات عملية السلام وأثبتت صحتها، لكن هل سيترك ذلك صدى في جنبات البيت الأبيض؟