بيئات غير آمنة

لا يمكن لأي شيء أن يقدم العزاء والسلوى لأهل الطفل فراس الغرايبة، الذي قضى في حادثة سقوط البوابة الحديدية لمدرسته عليه، ليصارع الموت أياما طويلة، قبل أن يسلم الروح إلى بارئها، ويدخل أهله ومعارفه في دوامة حزن كبيرة.اضافة اعلان
المشكلة، أن الحادث لم يكن وحيدا من نوعه؛ فلو عدنا إلى الماضي، لتذكرنا حوادث مشابهة في جميع المحافظات الأردنية، تمثلت في بوابات تسقط على أجساد الأطفال، وأسوار متهالكة تنهار، وأسلاك كهربائية مكشوفة تنذر بكوارث، وغير ذلك من الأخطار التي تحيق بالطلبة.
كل ذلك يقودنا إلى الاعتقاد الجازم أن نسبة كبيرة من أبنائنا الذين يقضون ساعات طويلة في مدارسهم، هم في بيئات غير آمنة، وتزداد فيها نسب تعرضهم للأذى، بسبب انعدام أعمال الصيانة الدورية للمنشآت.
ولكي لا يكون موت الطفل الغرايبة، وغيره ممن قضوا في حوادث مشابهة، مجانيا، ينبغي على وزارة التربية والتعليم التنبه إلى جعل المدرسة بيئة آمنة فعلا لأطفالنا، من خلال تشديد الرقابة على المنشآت التعليمية بأكملها، من دون أي تأخير، فالكلف التي ستدفعها الوزارة في هذا السياق، ستكون، بلا شك، أقل بكثير من كلف تعرض أي طالب لأذى بسبب التقصير.
إذا كانت وزارة التربية لا تمتلك الميزانيات الضرورية لهذا الأمر، فيجب عليها أن تعيد التفكير في تفويض مديري المدارس بجمع التبرعات من المجتمعات المحلية لإجراء بعض الإصلاحات العاجلة، وأن لا تبقي هذا المنع قائما، على أن تقترح صيغة رقابية معينة على المبالغ التي تترصد في المدارس.
يجب أن تنتهي المركزية المتشددة التي تدير بها الوزارة جميع الملفات، فهذا أمر يحيلنا إلى إجراءات بيروقراطية، قد تأخذ منا أشهرا عديدة لإجراء صيانة ضرورية لمنشأة تشكل خطرا على سلامة الطلبة، ما يقود إلى ضرورة تفويض صلاحيات معينة لمديري المدارس، فهم الأقدر على تلمس احتياجات مدارسهم، بدلا من لجان التحقيق التي تتشكل في الوقت الضائع بعد تسجيل الخسارات.
وإذا كان هناك تقصير من وزارة التربية في هذا السياق، فينبغي كذلك أن نشير إلى تقصير نقابة المعلمين التي تنشغل على الدوام بكثير من القضايا الفرعية، تاركة مسألة حيوية مثل هذه من دون رقابة ومتابعة. لابد أن يكون للنقابة دور في التنبيه إلى مخاطر المنشآت المتهالكة على سلامة الطلبة وحياتهم، وأن تحمل هذا الملف أولوية في أجندة عملها، لكي لا نتحسر مرة أخرى على روح طفل تزهق في حادث مشابه.
ليس مطلوبا من المؤسسات المعنية أن تكون “هبّتها” موسمية، بحيث لا تتحرك إلى العمل إلا بعد وقوع حادث ما، أو خسارة ما، بل ينبغي أن تمتلك منهجية متكاملة، وخطة عمل على مدار العام، لكي تصبح المباني المدرسية بالفعل بيئة آمنة لطلبتنا.