بيان الحكومة: الممكن والقوة والضعف

يظهر بيان الحكومة إلى مجلس النواب تطورات مهمة ونوعية في الخطاب السياسي، وإن بقيت الحكومة الحالية تؤكد، على نحو مضمر، أنها مستمرة في "النهج" السابق، وكل ما ستفعله في الواقع هو تقديم الجهود المعرفية والتواصلية لإقناع الرأي العام بالنهج الحكومي كما هو من دون تغيير حقيقي يذكر!

اضافة اعلان

التطور إذن هو التحول النوعي والاتجاهي في الرأي العام تجاه البرامج والسياسات الحكومية والأولويات الوطنية والتنموية والإصلاحية لتصبح مكونا أساسيا في وعي الذات والوعي الوطني الجماعي، والتطور الحكومي المقابل هو الاستجابة لاهتمامات وأسئلة المواطنين بقدر من الاهتمام والجدية وتقديم المعرفة والمعلومة أفضل بكثير من السابق، ولا بأس به من تطور إيجابي لدى النخبة، والحال أنه تطور مركب وعميق أيضا؛ إذ يعني نهاية العجرفة الحكومية والنخبوية ليأتي جيل من الرؤساء والوزراء أكثر تواضعا واحتراما للمواطنين.. والدستور أيضا؛ 

والفضل في ذلك ليس لأحد من أهل الفضل، لكنه تفاعلات واستجابات أظهرتها الأجيال والنخب مع متطلبات الشبكية، فالحوسبة والإنترنت ليسا مجرد تقنية! لكنهما تحولان عميقان في القيم والأفكار والاتجاهات والنظريات والفلسفات المنشئة والمنظمة للمجال العام! لم يعد خيار أمام الحكومات والنخب سوى أن تقدم إجابات وإيضاحات معرفية عميقة ومقنعة تفسر فيها كل شيء! وبالطبع فإنه تحول يشمل في عمقه وجذريته المنظمات الاجتماعية الوسيطة بين الحكومة والأفراد مثل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني؛ فهي أيضا تتعرض لعاصفة كبيرة تغيرها جذريا!

حددت الحكومة اتجاهاتها الرئيسية في العمل والإصلاح في تحسين إدارة الموارد من خلال ضبط وترشيد الإنفاق وقانون ضريبة عادل وتطوير الأداء العام، وتحسين الخدمات الرئيسية؛ التعليم والصحة والنقل والماء، ومواجهة الفقر. ووعدت بتقديم مؤشرات واضحة وعملية قابلة للقياس والمقارنة، وإنجازات محددة يمكن أن يعشر بها المواطن على نحو مباشر، مثل معالجة مرضى السرطان، والاستجابة "الشبكية" للتواصل مع المواطنين ولتطوير التعليم.

لكن الحكومة تجاهلت الرعاية الاجتماعية الموجهة للمعوقين وكبار السن، وتجاهلت حقيقة أن المدارس والمستشفيات في عددها وقدرتها الاستيعابية لا تكفي لأكثر من نصف الاحتياجات الملحة، وتجاهلت أيضا الطاقة ولم تعتبرها خدمة أساسية تحتاج إلى تطوير وتنظيم عادل سواء في ملكيتها أو أنظمة وآليات الاستيراد والتوزيع والتسعير والكفاء والجودة والتحول نحو الطاقة المتجددة، فبغير إسناد ملكية وإدارة الطاقة إلى عدد كبير من المواطنين والبلديات وإطلاق التنافس في الملكية والتوريد والخدمات، وتسهيل الحصول على الطاقة المتجددة، سوف تظل جميع أعمال وموارد المواطنين عرضة للنزف والابتزاز، وسوف تظل حريات المواطنين وكرامتهم مهدورة!

ولم تقل ماذا ستفعل بالتحديد لتطوير قطاع المياه، ولماذا لا نتجه إلى التحلية وبكفاءة وتكاليف أقل من ربع التكلفة المعلنة لضخ وتوزيع المياه المتاحة، سوف يكون في مقدورنا قياسا إلى تجارب واقعية أن نحمي جميع المصادر المائية المتاحة لتظل مسيلة في مسارها الطبيعي ولتستخدم في الزراعة والحفاظ على البيئة والغابات والمراعي، وفي الوقت نفسه يمكن أن يضاف إليها المياه المكررة والمعالجة بعد استخدامها المنزلي والتي يمكن توفيرها من مصادر إضافية جديدة (مياه البحر)، ولم تتطرق الحكومة إلى واقع استخدام وتأجير المياه والأراضي الزراعية ومن يستفيد منه ومن لا يستفيد، فلا معنى لأي استثمار إذا لم يستفد منه جميع المواطنين! وبعد ذلك يمكن الحديث عن مضاعفة الأراضي الزراعية والغابات والمراعي وأن تكون الزراعة والصناعات الغذائية جزءا من الاقتصاد الوطني والتشغيل بنسبة 35-50 في المائة، فلا أمل لنا في مواجهة التحولات الكبرى في الأعمال والمهن سوى تطوير الصناعات الزراعية والغذائية واستثمار الغابات في صناعات البناء والدواء والسياحة وأن تكون موردا لنسبة كبرى من المواطنين وليست مجرد محميات أنيقة مهددة!