بيت الله محسود قائد"طالبان الموحدة"

نقلت صحيفة "التايمز" اللندنية يوم6 شباط الفائت، عن خبراء وباحثين، تحدثوا بمناسبة إطلاق التقرير السنوي، للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية(IISS)، في لندن، ومنهم نيجيل انكستر، النائب السابق للاستخبارات البريطانية السرية(إم16)، أنّ بيت الله محسود، أصبح الآن الخطر الإرهابي رقم(1) بالنسبة للغرب، بدل أسامة بن لادن. وواقع الأمر أنّ القراءة في أهمية ودور محسود، تثير نوعاً من الشكوك، حول دقة هذا التقييم، وإن كانت تكشف جانبا من التفاعلات وأنماط التفكير في كل من"طالبان" و"القاعدة".

اضافة اعلان

وبحسب مراسلي "بي بي سي"، و"واشنطن بوست"، و"التايمز" يبلغ سن بيت الله محسود،34 عاما، أي أنّه كان في العشرينيات، عندما تم اجتياح أفغانستان، وإسقاط نظام طالبان.والآن يعتبر، محسود(الذي لا توجد صور منشورة له لرفضه ذلك)، أميرا عاما لحركة "طالبان الموحدة"،(أو ما يعرف في باكستان باسم "تحريك طالبان باكستان"). حيث تم تأسيس مجلس شورى في كانون الأول الفائت، من40 عضوا يجمع مختلف فصائل حركة طالبان في باكستان،(تقول مصادر إنّ المجلس29 عضوا فقط)، واختار المجلس بيت الله رئيسا للحركة.

انضم بيت الله، إلى حركة "طالبان" عام1994، وأصبح جزءاً من خلاف داخل "طالبان" الباكستانية عام2004، بعد تعيين عبدالله محسود، الذي ينتمي لذات قبيلة بيت الله(محسود)، أكبر قبائل منطقة وزيرستان الجنوبية، على الحدود الباكستانية الأفغانية، رئيسا للحركة، وقيامه باختطاف صينيين، ما اعتبره بيت الله، دخولا في معارك غير مبررة، ليبدو بذلك قائدا معتدلا، وحاولت إسلام أباد، استغلال هذا الخلاف، فمنحت بيت الله أموالا، تقّدر بمبلغ20 مليون دولار،(كما تقول صحيفتا "ديلي تايمز"، و"ذا نيشن" الباكستانيتان)، ما جعله أقوى رجل في وزيرستان الجنوبية. وتعهد محسود، بموجب اتفاقه مع الجيش الباكستاني في شباط عام2005، بعدم استهداف الجيش أو أجهزة الدولة، وبعدم منح "إرهابيين" أجانب، ملجأ، ولكن الاتفاقية لم تنص على أن يلقي السلاح، أو يقوم بتسليم المقاتلين الأجانب، أو أن يمتنع عن القيام بعمليات عبر الحدود إلى أفغانستان.

ومن الواضح أنّ بيت الله، استخدم اتفاقياته مع الحكومة، وأموالها، جزءا من أوراق قوته، في علاقته مع باقي مجموعات "طالبان". فعلى مدى عقود في باكستان، كان يوجد بين جماعات المسلحين، من يلعب دور الوكيل الحكومي، أو ضابط الارتباط، وما يزال هناك مسلحون يسعون لهذا الدور، وما يزال ضباط في الجيش يأملون بإحياء هذه العلاقات، أملا أن يتولى هؤلاء ترتيب وضع منطقة القبائل وأفغانستان.

وتحولت تلك الاتفاقية إلى وسيلة لتأمين المنطقة، من الجيش الباكستاني، لصالح "طالبان" و"القاعدة". ولكن حتى آب2005، على الأقل، بدا أنّ محسود، ما يزال يحافظ على اتفاق مع الجيش، فكما نقلت صحيفة "باك تربيون"، آنذاك، اعتذر بيت الله عن إطلاقه تصريحات مستفزة ضد الجيش الباكستاني، وقال أثناء لقاء مع قائد الجيش الباكستاني، لمنطقة بيشاور، الجنرال سافدار حسين، إنّه سيعمل مع القوات المسلحة، لخدمة أهالي جنوب وشمال وزيرستان، وأنّه سيعمل للعب دور بناء لضمان الاستقرار، والوحدة، والأمن.

لكن وعلى الرغم من قوة بيت الله، فإنّه لا يسيطر على المناطق القبلية، أو حتى على منطقته، وزيرستان الجنوبية، أو على قبليته "محسود"، تماما، وهناك قادة وأمراء أقوى منه. وواقع الأمر أنّ اتفاق بيت الله مع الحكومة ذاته كان ينطوي على ثغرات تسمح بدخول "القاعدة"، فمثلا ادّعى بعض قادة القبائل، ممن انضموا للاتفاق، أنّهم يحتاجون النقود التي قدمها الجيش، لأنّهم مدينون بمبالغ نقدية لتنظيم"القاعدة" وأنّهم لا يستطيعون الوقوف على الحياد من دون دفع هذه المبالغ، مما يعني موافقة ضمنية على توفير أموال من الجيش إلى"القاعدة".

وكان لا بد لبيت الله، أن يدعم شرعيته، في مناطق سيطرته، فمنع التلفزيون، والموسيقى والفيديو، ومنع لعبة الكريكيت، باعتبارها لعبة كفار. وبدأت عمليات إجبار الناس على الذهاب للمساجد قصرا، وفرض زي محدد على النساء، يختلف حتى عن الزي التقليدي في المنطقة. وتم إجبار الناس على اللجوء لعناصر، مليشيات "طالبان"، لحل خلافاتهم، أي أنّه عمل على تأكيد "طالبانيته النقية"، وكل ذلك بمراقبة، ومباركة الجيش.

ومع نهاية عام2005، كانت التحقيقات تشير إلى تورط بيت الله، في حوادث تفجير، في منطقة راولبندي. ومع مطلع2006، أشارت تقارير أنّ بيت الله يجمع نوعا من الضرائب في وزيرستان، وأنّ القوات التابعة له، باتت قوية ومتخصصة، ولديه جماعات من الانتحاريين، وجماعات لاغتيال أنصار الحكومة، أو المتعاونين مع الأميركيين، وهذا زاد قوته في قبيلته، ووسط المليشيات المسلحة. وعند تلك المرحلة، بدأ الجيش بمراجعة حساباته، ولكن عبر بدء البحث عن قيادات منافسة، وليس عبر إعادة النظر في سياسة التحالف مع "طالبان"، ومحاولة التأثير فيها.

وتراجع محسود رسميا عن اتفاقه مع الجيش، بعد هجوم القوات الحكومية، على المسجد الأحمر، العام الماضي، وقام باحتجاز242 جنديا، تم الإفراج عنهم لاحقا، مقابل إطلاق سجناء تابعين له لدى الحكومة، بعضهم متهم بالتخطيط لتنفيذ عمليات انتحارية، وهو ما أهله على ما يبدو ليصبح "رئيس "طالبان الموحدة"، في باكستان.

ما هي"طالبان الموحدة"؟

هناك غموض يحيط بتنظيم "طالبان الموحدة". ولا سيما من حيث علاقتها بطالبان الأفغانية، فقد أصدرت الأخيرة، قبل أيام، بيانا، تناقله الإعلام الباكستاني، جاء فيه أنّه ليس لها علاقة بتنظيم "تحريك طالبان باكستان"، واعتبرت هذا التنظيم شأنا باكستانيا، داخليا، واعتبر محمودالله حق يار، الناطق باسم طالبان الأفغانية، أنّ "طالبان الباكستانية"، منظمة باكستانية، لا علاقة لحركته بها، أو في إنشائها، أو الوقوف خلفها. وأكد حق يار، أنّ حركته، لا تتدخل في تعيين قادة "تحريك طالبان"، وأنّ، نشر مثل هذه الأخبار يهدف إلى الإساءة للعلاقة بين الشعبين الأفغاني والباكستاني، وأنّ الملا عمر، قائد "طالبان الأفغانية"، اتصل ببيت الله محسود، وطالبه باستخدام لغة الحوار مع الجيش الباكستاني، وتجنب استهدافه وعناصره بالقوة.

الجنرال الباكستاني المتقاعد محمود شاه، المسؤول سابقا عن المناطق الحدودية، قال(للأوبزيرفر)، إنّ طالبان الأفغانية، لا يوجد لديها طموحات توسعية، خارج أفغانستان، وأنّهم يعتبرون "طالبان" باكستان، عبئا عليها، ويطلبون منهم القتال في باكستان، دون القدوم إلى أفغانستان.

والواقع من الدلائل أنّه لا يمكن الفصل بين طالبان في أفغانستان وباكستان، ولكن ربما يمكن تفسير وجود تباينات في المواقف، بتعدد للاتجاهات داخل"طالبان"، فمن الواضح أنّ الحركة انتقلت من إطار التنظيم المركزي، إلى إطار المجموعات المتعددة، والمتنافسة حينا، والمتعاون أحيانا، وكان تأسيس"تحريك طالبان"، محاولة لمنع تشتت المجموعات المتنافسة.

ويُعتقد أن طالبان الأفغانية، تنقسم الآن إلى تيارين، أحدهما بقيادة "الملا عمر"، والثاني بقيادة "سراج الحق"، ابن جلال الدين حقاني، الذي يعتقد أنّه القائد العملي للحركة، وبجانب "طالبان الموحدة"، هناك حديث في الإعلام الباكستاني، عن "طالبان الباكستانية"، تنشط في وزيرستان الشمالية، بقيادة "مولانا عبدالخالق"، و"مولانا صبغت الله"، و"مولانا صادق نور". كما يوجد مسلحون في منطقة أحمدزاي، في وزيرستان الجنوبية، يسيطرون على المنطقة ويرفضون قيادة بيت الله، ويرفضون المواجهة مع الحكومة. وفي منطقة مير علي، مقر قيادة "القاعدة" و"طالبان"، هناك مجموعات يقودها حافظ غل باهادار، تصر على حفظ الهدنة مع الحكومة.(كما نقلت صحيفة دون الباكستانية يوم8 شباط).

ويبدو أن أجنحة الحركة، تلتقي في ملفات وتختلف في أخرى، ومواقفها تتغير، بحسب حركة توازنات القوة، بينها، وبحسب علاقاتها مع الحكومة. فبينما تحاول مختلف أجنحة الحركة، تلافي مواجهة مفتوحة ونظامية مع الجيش، لتفوق الأخير في سلاح الجو، يسعى قادة الحركة، كلما سنحت الفرصة، لتأسيس نوع من الإمارات المحلية، وهو ما يتبعه صراعات قوى داخلية، بين أمراء الحرب وصراعات مع الحكومة.

ويبدو أن بيت الله، اضطر للاستجابة، لمطالب أجنحة في طالبان، ولضغط توازن القوة، مع الجيش، فمال إلى تهدئة المواجهة، وقال متحدث باسمه الأسبوع الماضي إنّه نظرا "لمرونة" الحكومة سيتم وقف لإطلاق النار مع الجيش، وتقوم الفصائل حاليا بمفاوضات مع الجيش الباكستاني، وتلعب جماعات سراج الدين حقاني، الدور الرئيس في ذلك، وليس بيت الله.

من الواضح أنّ محسود ليس القائد المهيمن، وهو قائد برز في مرحلة، ويمكن أن يتغير في ظل تغيرات توازنات القوة،. وتتجه الأنظار إلى احتمالات التوصل لهدنة جديدة بين مسلحي"طالبان" والجيش، وهنا يبرز الخوف أن يكون ذلك مناورة من قبل طالبان لكسب الوقت وإعادة ترتيب الصفوف، كما حدث مرارا سابقا.

باحث أردني مقيم في الإمارات

[email protected]