بيريز وفلسطينيو 48

يحيي فلسطينيو 48 اليوم السبت، الذكرى الـ16 لهبة القدس و"الأقصى"؛ هبّة تشرين الأول (أكتوبر) التي استمرت في العام 2000 على مدى 10 أيام، وهي الهبّة الأطول زمنيّا في تاريخ فلسطينيي 48. وكانت تلك الهبّة ردا وتصديا لعدوان الاحتلال الشامل على القدس والضفة وقطاع غزة المحتلين. لكنها في الوقت ذاته، كانت انفجارا شعبيا ضد سياسة التمييز العنصري. ومن المفارقة أن تحل الذكرى، هذا العام، بعد يوم من دفن آخر شخصيات فوج مؤسسي الكيان الإسرائيلي؛ شمعون بيريز، فهو من واضعي سياسات التمييز العنصري، وأوائل زارعي الاستيطان في الضفة المحتلة. اضافة اعلان
ففي مثل هذا اليوم، قبل 16 عاما، انتفض فلسطينيو 48 بإضراب عام، ردا على الهجوم على المسجد الأقصى المبارك، والحرم القدسي الشريف، بعد أن اقتحمه مجرم الحرب البائد أرييل شارون، الذي كان يومها زعيما للمعارضة. ووجد فلسطينيو 48 أنفسهم أمام ماكينة قتل كان مخططا لها من قبل، فبدأ الشهداء يرتقون الواحد تلو الآخر، على مدى عدة أيام؛ إذ نحيي اليوم ذكرى 13 شهيدا تم اغتيالهم، في عدة بلدات، برصاص القناصة الذين أرسلهم رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك والمؤسسة العسكرية، من أجل زرع الترهيب والردع، إلا أن هذا لم ينفع.
وارتباطا بما وقع هذا الأسبوع، فإن فلسطينيي 48 يذكرون شمعون بيريز بخطابه الاستعلائي العنصري ضدهم، وبشكل خاص منذ سنوات الستينيات وعلى مدى السنوات التالية، إذ كان من الوجوه التي تغزو البلدات العربية، خاصة في مواسم الانتخابات، سعيا لإذلال العرب.
فقد انخرط بيريز منذ أيام شبابه الأولى، في العصابات الصهيونية الإرهابية. ومنذ العام 1948 وحتى العام 1959، شغل عدة مناصب مهمة جدا في المؤسسة الحاكمة على المستوى المهني، قبل أن يصبح نائبا في البرلمان، ومن ثم وزيرا لعدة حقائب، وصولا إلى رئاسة الوزراء. وما يهمّنا في هذا السياق، أن بيريز كان، لسنوات طويلة، في قيادة حزب "مباي" ("العمل" حاليا) الذي انفرد بحكم إسرائيل على مدى الأعوام الـ29 الأولى للكيان، ووضع أسس كل سياسات التمييز العنصري، وفي فترته صودر 80 % مما يملكه فلسطينيو 48 وبلداتهم، عدا الاستيلاء على أملاك المهجّرين والبلدات المدمّرة.
وفي العام 2001، وفي ظل حكومة أرييل شارون الأولى، كان بيريز من بادر إلى إقامة وزارة تسمى "تطوير الجليل والنقب"، وهي اسم التورية لمشروع التهويد الذي قاده بيريز لهاتين المنطقتين؛ إذ إن نسبة فلسطيني 48 في منطقة الجليل، شمال فلسطين، تتجاوز 54 %، بينما نسبتهم في صحراء النقب 40 %. وفشلت كل المخططات الإسرائيلية لإقناع اليهود بالسكن في هاتين المنطقتين، بشكل يكسر نسبة فلسطينيي 48 المرتفعة.
وهذا المخطط يعج بالمخططات العنصرية التي تميز اليهود على العرب، بدءا من الأرض والمسكن، وصولا إلى فرص العمل والامتيازات الضريبية. إلا أن بيريز دُفن أمس، ونستطيع تخيل أنه مات وفي قلبه غصّة بسبب فشل مشروعه هذا، رغم ما حققه للكيان الإسرائيلي من مفاعل نووي، وتمويل لأسلحة فتاكة، قد لا نعرف عنها الكثير، ولكن تم التلميح لها في الأيام الأخيرة. فالمستوطنات التي زرعتها إسرائيل لتبتلع البلدات العربية، بات العرب يزحفون عليها، فأصلا هذه البلدات أقيمت على أراضيهم المصادرة. كما فشل بيريز بصفته أحد واضعي سياسات ومخططات التدجين وتشويه الهوية الفلسطينية، والتي (السياسات) فشلت على مر السنين، ومنذ النكبة، تلك الأيام الأصعب.
اليوم، يحيي فلسطينيو 48 ذكرى تلك الهبّة الشعبية. واعتمادا على ما سبق، فبالإمكان التقدير أنه اليوم أيضا، سيكون الجيل الشاب طاغيا على المسيرة الشعبية الوحدوية التي ستكون في مدينة سخنين (شمالا)، ليكون هذا الحضور رسالة واضحة الى إسرائيل والصهيونية، بأن كل المخططات التي وُضعت للاقتلاع والتهجير فشلت وستفشل. وأن فلسطينيي 48 عازمون أيضا في هذه المرحلة بالذات، على إفشال كل مخططات التدجين الصهيونية، التي تحاول أن تطلّ برأسها من جديد، عبر "وكلاء" جدد يروجون لها.