بين العسكر والشارع.. هل يعبر حمدوك بالسودان إلى الحكم المدني؟

عاد عبد الله حمدوك رئيسا للحكومة الانتقالية في السودان، باتفاق سياسي الأحد، مع قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، وبدعم دولي. لكن حمدوك بات مرفوضا من القوى السياسية التي قادت حراكا شعبيا دفع قيادة الجيش في 2019، إلى عزل عمر البشير من الرئاسة، التي وصل إليها عبر انقلاب عسكري في 1989. كما يواجه رئيس الحكومة رفضا شعبيا طفا على السطح يوم توقيع الاتفاق، حيث نددت احتجاجات حاشدة بحمدوك وباتفاقه، وطالبت بحكم مدني كامل وإنهاء الشراكة مع الجيش في السلطة الانتقالية. وشهدت احتجاجات الأحد سقوط قتيل و50 جريحا، ليرتفع عدد القتلى إلى 50 منذ إعلان إجراءات الجيش في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحسب لجنة أطباء السودان ( غير حكومية). والرفض الشعبي يبدو أنه أخذ في الازدياد مع إعلان قوى جماهيرية عن مظاهرات الخميس، تنديدا بالاتفاق السياسي، وللمطالبة بالحكم المدني وعودة "العسكر" إلى ثكناتهم. ويعتبر الرافضون أن اتفاق الأحد "مجرد محاولة لشرعنة الانقلاب الأخير"، في إشارة إلى إعلان البرهان في 25 أكتوبر الماضي حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، ما أثار احتجاجات شعبية مستمرة رفضا لما يعتبره المحتجون "انقلابا عسكريا". وإثر موافقته على توقيع الاتفاق مع البرهان، تم رفع إقامة جبرية عن حمدوك كانت مستمرة منذ نهاية أكتوبر الماضي، عقب 6 أيام من احتجازه على خلفية قرارات البرهان، بحسب مصدر عسكري للأناضول. ووفق مراقبين، فإنه حتى قبل ساعات من توقيع حمدوك للاتفاق السياسي، كان يحظى بتأييد شعبي واسع وتوافق بين معظم القوى السياسية على رئاسته لحكومة مدنية. لكن المرحلة المقبلة من رئاسته للحكومة يبدو أنها لن تكون كسابقتها، في ظل حراك الشارع وعدم وجود قوى سياسية تدعمه؛ جراء وجود شريك عسكري مرتاب من المدنيين ورئاستهم للسلطة، وفق مراقبين. وتولي حمدوك رئاسة الوزراء في 21 أغسطس/ آب 2019 ضمن مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاقا لإحلال السلام، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020. ومقابل اتهامه بتنفيذ انقلاب عسكري، يقول البرهان إنه اتخذ إجراءات 25 أكتوبر "لحماية البلاد من خطر حقيقي"، متهما قوى سياسية بـ"التحريض على الفوضى"، وهو ما تنفيه هذه القوى. ** حقن الدماء واستعادة المسار وعقب توقيعه الاتفاق السياسي الأحد، قال حمدوك إن هذا الاتفاق "مبني على أساس حقن دماء السودانيين"، واعتبر أنه "يساعد على فك الاختناق داخليا وخارجيا واستعادة مسار الانتقال لتحقيق الديمقراطية". وقال حمدوك، في تصريح صحفي الإثنين، إن الحفاظ على المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العامين الماضيين، كان من بين الأسباب التي دفعته للعودة إلى منصبه. وتابع: "نتوقع أن يكون أداء حكومة التكنوقراط (كفاءات بلا انتماءات حزبية) له أثر إيجابي على الأداء الاقتصادي ومعيشة المواطنين". ** أدوات مختلفة وقال يوسف سراج، محلل سياسي، للأناضول، إن "توقيع حمدوك على الاتفاق السياسي هو خطوة غريبة جاءت استجابة لضغوط داخلية وخارجية في ظل احتقان كبير بالبلاد". وتابع: "من الواضح أن حمدوك أقدم على هذه الخطوة وفق رؤية مختلفة تتعارض مع مطلوبات الشارع وحتى مع القوى السياسية التي كانت حاضنته في العامين السابقين". وأضاف: "كلمة حمدوك، خلال توقيع الاتفاق، خلت من أي حديث عن أيام وضعه قيد الإقامة الجبرية وقرارات البرهان في 25 أكتوبر". وأردف: "إلا أن حمدوك تناول قضايا وطنية محددة سيعمل عليها، مثل تكوين مفوضية الانتخابات، أي أنه يذهب وفق رؤية محددة لتحقيق أسس الانتقال الديمقراطي بالذهاب إلى البلاد إلى حكم مدني". ورأى سراج أن "حمدوك قد ينأى بنفسه عن أي تشاكس مع العسكر في الفترة المقبلة بشأن بناء جيش قومي واحد أو تحقيق العدالة، رغم قناعاته بضرورة تحقيق ذلك". واستطرد: "فهو من الذكاء بحيث يمضي بالشراكة (مع العسكر) بأدوات محددة ومختلفة لتحقيق مطلوبات الشارع من عدالة انتقالية ومحاسبة لمرتكبي الجرائم دون إدخال البلاد في أزمة أخرى". وتطالب قوى سياسية ومدنية بتحقيق العدالة للضحايا منذ اندلاع الاحتجاجات ضد البشير، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وأثناء الفترة الانتقالية، بما فيهم ضحايا فض مسلحين يرتدون زيا عسكريا لاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم، في يونيو/حزيران 2019، إبان حكم المجلس العسكري المنحل، بقيادة البرهان. ذلك الفض أسفر عن مقتل 66 شخصا، بحسب وزارة الصحة، بينما قدر ائتلاف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، قائد الحراك الشعبي آنذاك، القتلى بــ 128قتيلا. وحمَّلت قوى التغيير المجلس العسكري مسؤولية فض الاعتصام، فيما قال المجلس إنه لم يصدر أمرا بالفض. ** مع الانقلابيين أما يوسف حمد، محلل سياسي، فاعتبر أن "حمدوك وقَّع الأحد على مطلوبات البرهان التي جعلته يقوم بالانقلاب على السلطة الشرعية وخرق الوثيقة الدستورية". وهذه الوثيقة خاصة بهياكل السلطة خلال المرحلة الانتقالية، ووقعها في 2019 المجلس العسكري الحاكم آنذاك وقوى "إعلان الحرية والتغيير". وأضاف حمد للأناضول أنه "لا يمكن رؤية تحرك حمدوك المفاجئ (توقيع الاتفاق) إلا من خلال النظر إلى مفارقته لخط الشارع المنتفض الذي دعمه خلال الفترة السابقة، ولن يدعمه مستقبلا". وتابع: "حمدوك بتوقيعه الاتفاق للعمل مع السلطة العسكرية بقيادة البرهان، صار مجرد شخص انضم للمجموعة الانقلابية التي تسيطر على مقاليد الأمور، وسيواجه برفض شعبي واحتجاجات مستمرة لن تجعل رئاسته للحكم يسيرة". وأردف: "حمدوك وقع اتفاقا سياسيا استنادا على قرارات البرهان في 25 أكتوبر، بما فيها أمر الطوارئ الذي لا يزال ساريا، بالإضافة إلى إشراف مجلس السيادة (الانتقالي برئاسة البرهان) على حكومة حمدوك التنفيذية". واتفاق الأحد يتضمن 14 بندا، أبرزها إلغاء قرار إعفاء حمدوك من رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة تكنوقراط، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفين بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي. ويؤكد على أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 هي المرجعية الرئيسية خلال المرحلة المقبلة، مع ضرورة تعديلها بالتوافق، بما يضمن ويحقق مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع، عدا حزب المؤتمر الوطني (المنحل). وينص الاتفاق كذلك على أن يشرف مجلس السيادة على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية دون تدخل في العمل التنفيذي.-(الاناضول)اضافة اعلان