بين برقش ووادي الأردن



بينما تستأثر برقش حالياً باهتمام مبرر ومشكور جداً من الناشطين والإعلام، تواجه انتفاضة المزارعين في وادي الأردن صمتاً مريباً واهتماماً خجولاً من الدولة والإعلام والناشطين على حدٍ سواء.اضافة اعلان
وكمجموعة ناشطة في كلا القضيتين رأينا أن نلفت انتباه ضمائرنا لموضوعين أساسيين:
أولهما أن المنطقتين تفتقدان لاستراتيجيات أو برامج للتنمية المستدامة رغم أنهما من أهم المناطق في الأردن بيئياً واقتصادياً. وثانيهما أننا كمجتمع مدني مقصرون في التواصل التشاركي مع هذه المناطق وهمومها، وكثيراً ما تكون هباتنا ردود فعلٍ متقطعٍ كقول الشاعر
لا يتقون الشر حتى يصيبهم   
ولا يعرفون الأمر إلا تدبراً
المحزن أنني لمست عند زيارتي برقش اْن اليأس من غياب التنمية في برقش وعجلون دفع الكثير من أهالي برقش لغض النظر على مجزرة الأشجاراْو ماهية المشروع  علَّهم يحظون بوظائف أو مركز صحي يقام في الكلية ويخدم المنطقة، وكان جل عتبهم علينا نحن الناشطين ضد المشروع، ولديهم كل الحق في ذلك، أننا اكتفينا بالاحتجاج على قطع الأشجار متناسين الدعوة بنفس القوة لوقف التهميش والتفقير وانعدام أبسط مشاريع التنمية المستدامة في مناطقهم.
وعملا بمفهوم النقد الذاتي اقترحنا على الحملة الوطنية تعديل شعارنا إلى "نعم لتنمية برقش... ولا لقطع أشجارها".
يبقى أن ننجح في اقناع  أهالي برقش قبل اقناع الدولة أن التنمية حق لهم بدون الحاجة إلى اغتيال الأشجار. وأن ننجح أيضاً في اقناع بعضنا أنه بدون شراكة مجتمعية وحوار راقٍ مع أهالي المنطقة، سنصبح طرفين متضادين بدل أن نكون جميعاً جنوداً لصالح الأرض والتنمية والحفاظ على غاباتنا الثمينة بشكل خاص والبيئة بشكل عام والتي من أهم مقوماتها الجوانب الاجتماعية والانسان نفسه.
 أما وادي الأردن وهو من أهم كنوز الأردن فستبقى السياسة الممنهجة في تهميش الزراعة والمزارعين فيه من قبل الجميع، دولة وإعلاماً ومجتمعاً مدنياً، لغزاً يحير الكثيرين منا، ففي كل العالم تعتبر الزراعة والغذاء هما رافدا الأمن الغذائي وبالتالي الأمن القومي. ولا سيادة حقيقية بدون الاهتمام بالزراعة والغذاء. وهنا يجدر التذكير بمقولة كسنجر وزير خارجية أميركا عام 1970 "سيطر على النفط إذا أردت السيطرة على الدول، وسيطر على الغذاء إذا أردت السيطرة على الشعوب"، وفعلاً تجد أن أكثر الدول حرصاً على سيادة مواردها الطبيعية والغذائية هي أحرصها على دعم مزارعيها وخاصة فلاحيها الصغار.
لن نمل من القول إن إهمال القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة والتعليم والتركيز على القطاعات غير المنتجة كالبناء والعسكرة والمضاربات وعدم التوازن بين المحافظات في التنمية وغياب العدالة الاجتماعية والمساواة، هي أهم أسباب فشل استراتيجياتنا لمكافحة الفقر في الأردن.
كما أن حصر التنمية بوادي الاردن وبرقش ببناء فنادق الخمس نجوم  هو ابتلاء ما بعده ابتلاء وخاصة إذا رافقه تدمير للبيئة وزيادة في تهميش المجتمعات.
كثيراً ما سمعنا عن تنمية منطقة البحر الميت لنجد أنها انحصرت بفنادق فاحشة الغلاء لا يستفيد اهل المنطقة منها إلا ببضع وظائف شديدة التواضع كماً ونوعاً وقليلة الدخل وقليلة التأثير، ويشترط لمن يريد أن تطأ قدمه بواباتها دفع أثمان باهظة تصل سبعين ديناراً للشخص الواحد بدون سعر المبيت وحتى لو اراد اْن يتناول قهوة اْو كوب ماء فقط.
وبعد؛ يبقى حلمنا أن نرى وادي الأردن قد عانق مزارعيه وفلاحيه مشجعا ومقدرا أهميتهما وأن نراه وعجلون وبرقش يفخرون بمرافقهم التعليمية والصحية والانتاجية، وأن نرى سكانهم ينعمون بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية والمساواة التعليمية والثقافية والترفيهية وأقلها أن تحتضنهم وأطفالهم ذات يوم حديقة أو مقهى يستطيعون فيه دفع فاتورتهم دون معجزات.