بين حربين

سوري يحمل سلاحا في حي المضرب في مدينة حلب أول من أمس - (ا ف ب)
سوري يحمل سلاحا في حي المضرب في مدينة حلب أول من أمس - (ا ف ب)

معاريف

عوفر شيلح
في منتصف الأسبوع استضاف رئيس الوزراء نتنياهو مجموعة من الصحفيين الأتراك، لأول مرة منذ قضية مرمرة. رغم جدول أعماله المكثف تفرغ نتنياهو– الذي رفض عدة مرات طلبات مشابهة في السنتين الأخيرتين– لوقت غير قليل للأتراك، استضافهم في غرفة جلسات المجلس الوزاري المصغر والتقطت له الصور معهم على خلفية علم تركيا. وزير الخارجية ليبرمان هو الآخر التقى الصحفيين قبل ذلك: وبقدر ما هو معروف، لم يعرض على أي منهم الكرسي القصير، المحفوظ لدى نائبه داني ايالون لمثل هذه المواقف. اضافة اعلان
في الأيام العادية، هذا نبأ هامشي جدا. ولكن هذه ليست أياما عادية، وإبراز مكتب رئيس الوزراء للنبأ هو أيضا ليس صدفة على ما يبدو. فإسرائيل تجد نفسها في هذا الصيف في وضع سياسي – أمني مركب، معقد أكثر مما شهدنا منذ التوتر مع سورية قبل خمس سنوات. وخلافا للقصة في ذلك الوقت، لا يدور الحديث عن احتكاك مع دولة عدو، يجب أن نمنع عنها شيئا ما لا يمكن لإسرائيل أن تحتمله في ظل منع موازٍ للتدهور نحو الحرب، بل عن مبنى ثلاثي ورباعي الأبعاد، كوب هنغاري في نمط الشرق الأوسط. وفي هذا المبنى تجر اسرائيل غير قليل من الورطات السياسية التي جمعتها في السنوات الاخيرة، بما في ذلك العلاقات غير البسيطة مع واشنطن والقطيعة مع أنقرة. في مثل هذا الوضع، حتى الصحفيين الاتراك يحصلون على صورة مشتركة مع رئيس الوزراء.
بعد أيام أو أسابيع قد تجد اسرائيل نفسها تختار بين حربين، واحدة تورط جدا الثانية وربما تمنعها. مفهوم استخدام الجيش الاسرائيلي كان يعتقد دوما بان عليه أن يكون جاهزا للحرب في عدة جبهات بالتوازي، ولكن التطلع للحسم بالتدريج، إذ يصعب عليه الحسم في أكثر من جبهة واحدة في وقت واحد. صيف 2012 يجدنا امام امكانية عملية حربية في جبهة واحدة قريبة وأخرى بعيدة (فيها، اذا عدنا الى صيغة مفهوم الاستخدام، لا يمكن الحسم ويوجد "مفاوضات عنيفة"). العملان مبادر اليهما. والنتيجة المحتملة لكليهما تهدد الحلقة الضعيفة والاكثر اهمالا في أمن اسرائيل. التصدي لمثل هذا الوضع يتطلب الإزاحة جانبا للحقائق الدارجة، تفكير مركب واستغلال أقصى للسياسة.
لا يوجد إسرائيلي سوي العقل مستعد لأن يقبل وضعا تحوز فيه منظمة كحزب الله لسلاح غير تقليدي. ووصف جهاز الأمن ليس فقط سيطرة حزب الله على سلاح الدمار الشامل من سورية كسبب للحرب، بل وحتى النقل الى لبنان لمنظومات متطورة للدفاع الجوي (تهديد مشابه في الماضي تسبب بتوتر كبير في الحدود الشمالية) او صواريخ بعيدة المدى على نحو خاص. الاطار الزمني قد يكون قصيرا على نحو خاص: مع ان منظومات الاستخبارات، ليس فقط في اسرائيل، تكرس الآن جهدا خاصا لمتابعة ما يحصل في سورية، إلا أن المدى الزمني بين المعرفة وبين الحاجة إلى العمل قد يكون في الحد الأدنى.
 السلاح الكيماوي
ليس هذا فقط، بل انه لما كان السلاح الكيماوي لا يوجد في مكان واحد ولما كانت القوات العاملة اليوم في سورية تتكون من أنواع مختلفة كثيرة، فإن آثار اتساع مثل هذا الهجوم قد تكون اشكالية. هجوم مبادر إليه من اسرائيل على منظومات سورية، في الوقت الذي يواجه فيه بشار ائتلافا من الجهات، بعضها مكروهة في نظر الجميع وأخرى تتمتع بعلاقات وثيقة مع حلفاء اسرائيل هو شرك سياسي حقيقي. وهذا ضمن أمور أخرى، ما قصد رئيس الاركان حين حذر هذا الاسبوع في لجنة الخارجية والأمن من أن هجوما وقائيا في سورية قد يتسع الى حجوم لا يرغب فيها أحد. ولكن واضح أنه إذا عرفت اسرائيل بان سلاحا كيماويا، بما في ذلك القدرة على اطلاقه، انتقلت الى حزب الله، فانها ستكون ملزمة بالعمل.
الفرضية التالية في السلسلة يجب أن تكون ان حزب الله سيرد – وسيرد بقوة. الاعلانات الاسرائيلية في السنوات الست الاخيرة، حول ما سيحصل اذا ما كان اشتعال في الشمال، تقصر للطرفين "تدرج التصعيد": اذا كان الطرفان في حرب لبنان الثانية قد أكثرا من التهديد ولكنهما فكرا مرتين (ولا سيما حزب الله) قبل أن يجتازا خط درجة التصعيد التالية – فإنه "ما بعد ما بعد حيفا" بدأ بعد أكثر من اسبوع من بدء القتال – هذه المرة فوارق الزمن من درجة الى اخرى ستكون قصيرة ونصرالله يعرف جيدا أن ما لا ينجح في استخدامه في ايام القتال الاولى، سيكون صعبا عليه استخدامه لاحقا، ولا سيما الصواريخ بعيدة المدى والاكثر تدميرا، والتي هي أكثر عرضة للاصابة بهجوم اسرائيلي.
يمكن الافتراض بان ما وصفته لجنة فينوغراد "بفترة المراوحة"، أكثر من أسبوعين من العمليات المحلية عديمة الجدوى، تجنيد الاحتياط المهم فقط بعد ثلاثة اسابيع لن تكرر نفسها. عملية ضد حزب الله قد تشتعل بسرعة الى مواجهة واسعة. وهنا مهم العودة الى القول: المعطيات الاساس، وبموجبها شل نار المنظمة واخراج شمال اسرائيل من خطر السلاح للمدى القصير والمتوسط سيستغرق زمنا طويلا وسيتطلب مقدرات كبيرة، هذه المعطيات لم تتغير. الجيش الاسرائيلي استثمر الكثير جدا من العمل الاستخباري، استعد بشكل مختلف وبالاساس غير العقلية التي وجهت القيادة في 2006. ومع كل هذا فانه لا يمكنه أن يغير هذه المعطيات.
هذا لا يعني انها يجب أن تشل اسرائيل عن العمل، وبالتأكيد امام الخطر على مصالحها الحيوية. يوجد في الساحة أيضا من يعتقد بأن مواجهة كهذه قد تقع آجلا أم عاجلا. ولكن هنا يجب القول بحذر شديد، شيئا مهما آخر: مثل هذه المعركة ستجتذب اليها، لزمن يصعب توقعه مسبقا، مقدرات هائلة من المنظومة الهجومية الاسرائيلية، بما في ذلك سلاح الجو. في حرب لبنان الثانية، وهي معركة محدودة لهذا السيناريو، وصل السلاح الى خطوط حمراء في انواع معينة من الذخيرة؛ هذه المرة الزمن يجب أن يكون اقصر، ولكنه وبالتأكيد القوات البرية – اذا ما وصلنا الى هناك – ستكون ضالعة بنسب عالية في لبنان ناهيك عن السيناريو الذي يشارك فيه أيضا عدو يجلس على الارض السورية.
في الطرف الاخر، بالمعنى الحرفي للكلمة، توجد الجبهة الداخلية الاسرائيلية. لا حاجة الى لجنة تحقيق او تقرير مراقب كي نعرف بانه رغم الأقوال العالية عن استخلاص الدروس، فان التغيير الذي طرأ في السنوات الست الاخيرة على جاهزية الجبهة الداخلية ليس كافيا. تقرير المراقب عن منظومة الاطفاء يقول هذا صراحة، صحيح حتى العام 2010. ومن حقكم ان تؤمنوا بانه منذئذ تحول كل شيء الى الايجاب.
في شباط من هذا العام بعث النائب زئيف بايلسكي، الذي كان مسؤولا عن الجبهة الداخلية في لجنة رقابة الدولة، برسالة يذكر فيها نتنياهو ما نعرفه جميعا ولكننا نكبته: لـ 40 في المائة من سكان اسرائيل لا يوجد، ولن يوجد في المستقبل القريب كمامات للوقاية من الحرب الكيماوية (ولمن يوجد لديه، قال ليس بايلسكي في حينه، ليس وفقا لتقديرات الخطر على المناطق المختلفة)؛ لا يوجد لـ 1.7 مليون مواطن ملاجئ مناسبة. نتنياهو، بالمناسبة، رفض في حينه عقد جلسة للمجلس الوزاري المصغر رغم طلب بايلسكي. ومع الجيش الاسرائيلي، يواصل المجلس الوزاري في أن يكون هيئة لشؤون الهجوم فقط.
في هذه الأيام تماما أصدر معهد بحوث الأمن القومي كراسا عن "الجبهة الشرقية"، وهو خلاصة ندوة عقدها في ايلول الماضي. اجزاء منها بقيت مثابة احساس بالتكرار، اخرى تثير العجب الذي على شفا الغضب. وهكذا مثلا يقول الوزير المنصرف لشؤون الجبهة الداخلية متان فيلنائي انه "لا شيء أسهل من طلب تحصين الدولة بأسرها، هذا يكلف 15 مليار شيكل. ودون الجدال في الارقام، يجدر بالذكر بان في السنة الماضية فقط، اقر دون أي مشاكل التزود بمجنزرة "نمر" (اكثر من 10 مليارات شيكل، دون احتساب منظومات التحصين الفاعلة مثل "سترة ريح" او "سهم مشجع"). وشراء طائرات تدريب من ايطاليا (6 مليارات). الجنود يحتاجون لان يكونوا محصنين وان يتدربوا، ولكن عند الحديث عن تحصين واعداد الجبهة الداخلية، تعتبر هذه المبالغ خيالية.  ولمن يقول "توجد قبة حديدية" يجب أن نذكره: حتى الان هذه بطاريات قليلة، سجلت نجاحات مهمة ضد حماس والجهاد الاسلامي، ولكنها لاغية ملغية امام ما يوجد لدى حزب الله.
  الموضوع الإيراني
في هامش كل هذا، مثلما في كل جملة تقال بالعبرية الامنية، توجد ايران. الموضوع الايراني، الذي يستخدم كأحبولة إعلامية دورية في كل قصة سياسية – رجال غابي اشكنازي ألمحوا أن بسبب هذا دفع باراك يوآف غالنت الى رئاسة الاركان، وبعد ذلك قالوا انه بسبب هذا دخل موفاز الى الحكومة، هذا الاسبوع كان هذا على الاطلاق تساحي هنغبي – يتعقد باضعاف في ضوء التطورات في الشمال.
معركة متواصلة في الشمال، وحتى معركة قصيرة نسبيا تتضمن خطوة برية واستثمارا كثيفا للقوة الجوية، لا يمكنها الا تأتي على حساب قدرة الهجوم على ايران. حملة في ايران على اي حال تشد حتى النهاية قدرات منظومة الهجوم العسكرية الجوية الاسرائيلية، بالضبط تلك الوحدات وتلك الوسائل المطلوبة في الشمال. لا يوجد لنا سلاح جو آخر، او منظومة اخرى من الوحدات الخاصة وايران ليست مفاعل "اوسيراك" الذي هاجمه قسم صغير من طائرات اف 16 وعدد آخر من طائرات التغطية في طلعة واحدة وانتهينا.
وهذا هو الجانب الطيب، جانب الهجوم. أما بالنسبة للدفاع، فمن المهم ان نفهم: التقديرات المتضاربة بالنسبة لما سيحصل اذا ما هاجمت اسرائيل ايران، والتي تتراوح بين حرب اقليمية وبين رد محدود، أخذت بالحسبان المعقول بأن مصادر النار خلف الحدود ستتردد في الاستلقاء على الجدار من أجل الإيرانيين. فحماس وحزب الله على حد سواء سبق أن قالا غير مرة بأنهما ليسا بالضرورة سيدخلان في مواجهة بين اسرائيل وايران. ولكن السيناريو الذي يبدأ في سورية وحزب الله يرفعنا فورا تقريبا الى سيناريو أخطر، بل وسيجر ايضا اليه حماس في حالة هجوم اسرائيلي على ايران، الذي تتبعه عملية مكثفة في الشمال وربما ايضا هجوم بري في لبنان.
السطر الأخير هو التالي: اسرائيل تجد نفسها بين حربين مبادر اليهما، الاولى مطلوبة بالتأكيد (منع السلاح الكيماوي عن حزب الله) والثانية موضع خلاف داخلي وخارجي، يكاد لا يكون ممكنا خوضهما معا. من يريد ان يمنع، ربما من الآن الى الآن، وسائل لا نحتمل من ناحيتنا ان تسقط في أيدي حزب الله، ملزم بأن يأخذ هذه الآثار بالحسبان.
كي نفحص ماذا يمكن لاسرائيل مع ذلك عمله، يجدر بنا ان نتذكر الماضي القريب. بعد حرب لبنان الثانية قال من كان رئيس الت سي.آي.ايه، جيمس وولسي، انه "كان خطأ من جانب اسرائيل عدم مهاجمة سورية". وروت محافل رفيعة المستوى في واشنطن وفي اسرائيل بأن نائب الرئيس ديك تشيني دفع على نحو شبه علني نحو صفقة: أنتم تعالجون سورية، ونحن نهتم لاحقا بايران. وبين الحين والآخر انضم الى هذه الاقوال مسؤول ما في القيادة الاسرائيلية، ولكن محافل شديدة النفوذ حرصت على ان تذكر رئيس الوزراء اهود اولمرت، بأن هذا هو نوع من الامور التي تعرف كيف تدخلها، ولكنك لا تعرف كيف تخرج منها.
فهل على ذلك تحدث رئيس الوزراء ووزير الدفاع مع الاميركيين الكبار ممن زاروا اسرائيل مؤخرا؟ على انه اذا ما اضطرت اسرائيل الى العمل في الشمال، وحقها في الدفاع عن نفسها في هذا الشأن ليس موضع خلاف، فهل تعزز الولايات المتحدة الالتزام الصريح من جانب الرئيس اوباما بمنع ايران من الوصول الى القنبلة؟ هل اضطرارات الواقع تفوق عدم الثقة باسرائيل، مما دفع مؤيدي العملية الى التفكير بأنه يجب تنفيذها قبل الانتخابات في الولايات المتحدة؟.
كل ذلك تخمينات. ولكن يجب وضع كل شيء في اطار هاتين الحربين. وكذا الرد على العملية في بورغاس، التي سارع نتنياهو الى ان يتهم بها ايران وانتقل الى حزب الله، ولكن واضح تماما لماذا لا تسارع اسرائيل الى الرد في لبنان. من اجل حل هذا المكعب الهنغاري يتعين علينا على ما يبدو الاعتماد على محافل خارجية، بينها فرنسا وتركيا، بالنسبة للترتيب في سورية. يتعين علينا ان نحذر أكثر من ارادة الولايات المتحدة فيما يتعلق بايران. في الوضع الحالي سيكون هذا من قبيل الغرور الخطير من جانب اسرائيل التفكير بأنه بوسعها ان تحل وحدها كل مشاكلها، رغم أنف العالم.