بين زيت الصخر وزيت الزيتون

في أجواء إحباط مجتمعي تسود الشارع الأردني جراء القرارات غير الشعبية، بحسب التعبير الشائع هذه الأيام، وهي القرارات التي جاءت تحت مظلة خطة التحفيز الاقتصادي، خرج أحد الوزراء بقصة تذكرنا بالخيال الثوري، مفادها أن الأردن سوف يقود العالم في مجال استثمار وتكنولوجيا واستغلال الصخر الزيتي.

اضافة اعلان

فإذا كانت خطة "التحفيز الاقتصادي" تستهدف رفع العبء الضريبي عن المواطنين وتحديداً في مجال استهلاك الطاقة، فإنه كان من الأجدر، بحسب أحد المتندرين، أن تدور الأطروحة الإعلامية حول من يقود العالم في فنون وعلوم الضرائب بأنواعها وسقوفها التي لا تعرف أرضاً ولا سماء.

في حال تجاوز عمليات التقييم الجارية للخطة الاقتصادية، وفي حال تجاوز سياق التصريح الذي يعود لواحد من أكثر أعضاء الفريق الوزاري كفاءة في مجال اختصاصه، فإن جوهر المسألة يدور في سياق إدارة العلاقة مع الرأي العام المحلي، ومدى جدوى رفع التطلعات في سياق غير مرئي وفي عداد الأمنيات، وفي قضية ما تزال موضع خلاف عالمي، لا محلي، في أبعادها الاقتصادية والتكنولوجية، مثل قضية جدوى الاعتماد على الصخر الزيتي ومستقبله، ما يعني حجم المغامرة التي نُقاد إليها من أجل أن يُقال بأننا نقود العالم!

الناس بحاجة الى الطمأنينة فعلاً، ولكن ليس بطريقة الأداء الإعلامي الحالي، الذي ما يزال يعتمد تقنيات بيع الأحلام والأماني للناس، بينما الوقائع تقول أقوالا أخرى!

الدرس الأول في خلق التكييف الإيجابي مع ظروف الطوارئ الاقتصادية أو السياسية يبدأ بالصدق المجتمعي، أي أن يلمس المجتمع وقائع تصدق الأطروحات والمقولات وبالواقعية المرتبطة بتوسيع قاعدة المشاركة، بكل أنماطها وأنواعها، والمشاركة وحدها التي تجعل الناس يتحملون مسؤولية الظروف الطارئة ويحمون الإنجازات وليس برفع التوقعات بالأمنيات المفرطة وبتطرف رسمي من دون رصيد واقعي.

يقال إن الاقتصاد والإحصاء أكثر الحقول التي توفر أدوات كذب وتزييف واسعة لمن يرغب وفيما يريد، كما يوفران لغة تبدو علمية، ويوفران أيضا الأرقام والمصطلحات أي العدة والعتاد المطلوب، وكل ما نخشاه هذه الأيام أن يتحول القلق المحلي حول مستقبل الطاقة وبدائلها إلى أداة أخرى للتجريب وإهدار الزمن ورفع التوقعات غير الواقعية التي تتحول مع الزمن إلى احباطات.

هذه اللغة التي سادت في الخطاب الرسمي المحلي هي أحد أسرار أزمة الثقة المتنامية والشعور باللايقين وعدم الطمأنينة إزاء المستقبل، فيما ينمو في جهات متعددة من العالم اتجاه يعلّم الناس الانتصار على المستقبل بالمزيد من المشاركة، التي تفضي إلى نوع من القلق الإيجابي مقابل خفض مشاعر الانفعال والعدوانية. وهو ما يوفر بالتالي مؤسسات كفؤة وعاقلة تعرف كيف تبني في الحاضر وتحجز مكانها في المستقبل.

هناك حاجة جادة إلى خطاب ومحتوى إعلامي جديد بحدٍّ معقول من المهنية العلمية في إدارة العلاقة مع الرأي العام، وتحديداً في المجالات الاقتصادية وفي إدارة الموارد.

تُرى ما الفرق بين مستقبل الزيت الصخري ومستقبل زيت الزيتون في الأردن، ومن منهما المرشح بالفعل في قيادة مستقبل الأردن قبل العالم.

[email protected]