بين سوليدير عمّان و "البيوعات"

كنت قبل أسبوعين قد كتبت متحمسا لمشروع تطوير وسط المدينة فتلقيت ردودا بعضها سلبي وأحدها بعنوان "سؤال بريء جدا.. ما سرّ حماسة الكاتب في الآونة الأخيرة للبيوعات المريبة؟".

اضافة اعلان

طبعا إذا كانت البيوعات مريبة فليس من سرّ وراء حماسة الكاتب سوى أن شيئا يطاله منها! أليس كذلك؟.

الحقيقة أن صلتي بهذه البيوعات لا تزيد إنشاعن كاتب التعليق والحقيقة أنني لم أكتب متحمسا لأي عملية بيع بل كتبت كمراقب موضوعي من دون موقف مسبق إلا من قضية واحدة هي الشفافية، فلا يمكن الدفاع عن أي صفقة مهما قيل إنها عادلة ونظيفة وتلبي المصلحة العامّة بغياب الشفافية.

لكن ما أريد لفت الانتباه له أن التعليق كان عن البيوعات والمقال هو عن مشروع تطوير وسط عمّان الذي أطلق عليه مجازا السوليدير تشبيها بمشروع وسط بيروت، وأحد التعليقات افترضت على الفور أن الحريري هو وراء المشروع وهذا ليس صحيحا. وواقع الحال أن التعليقات وكذلك ما تتداوله المجالس تدلّ كم أن الأمور اختلطت ببعضها والثقة باتت في أدنى مستوياتها، وهذه مشكلة خطيرة ينبغي التوقف عندها، فمشروع تقوم عليه الأمانة مثل تطوير وسط العاصمة له سياق مستقل ومختلف تضعه أوساط من الرأي العام على الفور تحت نفس العنوان وهو البيع المشبوه للأصول والأملاك العامّة. وقد لفتنا انتباه أمين عمّان بقوّة الى هذه القضيّة في لقاء أعقب المؤتمر الصحافي الذي عرض فيه ملامح المشروع.

وسط العاصمة ليس للبيع، والأفكار المطروحة للتطوير هي واحدة من أعظم مهمّات الأمانة للارتقاء بقلب العاصمة. وإذا بدأنا من عند منطقة المدرج الروماني والساحة الهاشمية التي جرى تطويرها نسبيا وذهبنا شمالا باتجاه المحطّة فإن الشريط الطويل بين شارع الجيش (امتداد أوتوستراد الزرقاء) وشارع الملك عبدالله هو عمليا جزيرة مهملة تقوم فيها منشآت متهالكة بعضها مهجور وبعضها مكاره صحية وإن المحلات التجارية على شارع الملك عبدالله التي كانت ذات يوم قلبا تجاريا نابضا فيه وكالات تجارية وصناعية رئيسة تتدهور  وتهجر شيئا فشيئا، ومن يقول بالحفاظ على طابع المدينة القديم يتحدث في الواقع عن مناطق أخرى فهنا لا يوجد سوى كراجات ومحلات قطع غيار تراجعت أعمالها وليس لها أي طابع معماري أو قيمة تراثية ويندر أن يتوقف أحد هناك إلا مضطرا.

 الحلم الجميل هو إزالة هذه الأنقاض البشعة وإعادة إعمار وتأهيل هذا الشريط العازل بين غرب عمّان وشرقها وطوله أربع كيلومترات بطابع معماري تراثي متنوع تتخلله مناطق خضراء ليصبح منطقة التقاء تنهي الفصل التعسفي بين شقي المدينة منطقة تمازج تضجّ بالحيوية والتميز والأصالة كما ينبغي لقلب مدينة أن يكون وتتوزع على مناطق سكنية      وتجارية وترفيهية.

 إن التصور الذي طرحته الأمانة علينا يجب تعميمه على أوسع نطاق وإشراك الرأي العام العمّاني فيه. وحسب الأمين فإن كل الأفكار سوف تعرض وتناقش مع سكّان المنطقة على جانبي الشريط (لا يوجد بيوت سكنية داخل الشريط) وسيكون هناك خطط للتكامل التطويري مع المحيط السكاني على سفحي الوادي.

والآن لننتقل الى الجانب المالي والاستثماري الذي يجب إجلاؤه جيدا لإنهاء أي خلط مع قضية "البيوعات" فأراضي الشريط تتنوع بين ملكيات خاصّة وملكية الأمانة وقد تمّ الاستملاك بتعويض عادل ومقبول من المالكين ليصار بعد ذلك الى طرح العطاءات وفق المخطط المطروح. وفي هذه النقطة يجب ممارسة أقصى قدر من الشفافية والعلانية لا تترك قولا لمتقول، وأعتقد أن الأمانة تعي هذا جيدا الآن وقلنا كل ما يمكن أن يقال بهذا الصدد.

الأمانة لن تبيع شيئا فهي سوف تستدرج عروض البناء والتطوير كشراكة استثمارية تعود بعدها الملكية الى الأمانة بعد انتهاء فترة الاستثمار المتفق عليها.

 وأسلوب الاستثمار مع الجهات التي ستتولى التنفيذ قابل للنقاش والجدل لكن لا يجوز أبدا وضعه في سلّة واحدة مع قضايا البيوعات التي مازالت تثير البلبلة.