بين كورونا والإنفلونزا: موسم الوقوع بالشك

لينا العالول

يتبادر إلى العديد من الناس أن فيروس كورونا شبيه الى حد ما بالإنفلونزا الموسمية. وربما يعود هذا الانطباع الى العديد من الأعراض المتشابهة بين الفيروسين، كارتفاع درجات الحرارة والسعال والصداع وغيره من الأعراض، إلا أن هذا التشبيه الخاطئ هو فعل مستهتر، يدفع بالعديد من الناس للشعور الزائف بالأمان وهو ما لا نحتاجه في هذه المرحلة.اضافة اعلان
من أهم الاختلافات وأولها، أن هناك معادلة في علم الأوبئة تسمى «عدد التكاثر الأساسي»، وتعني في العادة عدد الحالات التي تسببها حالة واحدة مصابة بالفيروس خلال مدة ما، أي قدرة عدوى معينة في ظروف معينة على التفشي بين صفوف من ليس لديه مناعة. وهنا تبرز الاختلافات بين فيروس كورونا والانفلونزا الموسمية، حيث إن عدد التكاثر الأساسي للإنفلونزا هو 1.3 ، أي أن شخصا مصابا بالإنفلونزا قادر على نقل العدى لـ1.3 من الاشخاص المحيطين به، وهذه النسبة تعد نوعا ما منخفضة مقارنة بغيرها من الفيروسات. أما بالنسبة لفيروس كورونا، فإن عدد التكاثر الأساسي له هو 2.5 أي ما يقارب ضعف عدد التكاثر للإنفلونزا. وهنا تكمن خطورته، بقدرته السريعة على الانتشار بين الناس وبفترة زمنية قصيرة. ولكن من المهم أيضا ألا تثير هذه الحقائق الفزع بين الناس، فحتى عدد التكاثر الأساسي لفيروس كورونا يعد منخفضا نوعا ما إذا ما تمت مقارنته بفيروس زيكا مثلا والذي ثبت أن عدد التكاثر الأساسي له هو 6.6، والحصبة التي تعد من الفيروسات الخطيرة والتي يكون عدد التكاثر الأساسي لها ما يقارب 12-18 بالمائة. ولكن لحسن الطالع أن هذه الفيروسات الخطيرة وسريعة الانتشار قد تم الانتصار عليها إما باللقاح أو بالدواء أو بالاثنين مجتمعين.
ومن أحد أوجه الاختلاف الثانية بين فيروس كورونا والانفلونزا الموسمية، هو الوقت اللازم ليشعر الشخص أنه مصاب بالفيروس. ففي حالة الانفلونزا، عادة ما يشعر الشخص بالأعراض بعد يومين من التقاطه للعدوى. بينما في حالة كورونا، عادة ما تأخذ الاعراض من خمسة أيام إلى أربعة عشر يوما ليشعر الشخص بأعراض إصابته وهي ما تسمى في عالم الطب بفترة الحضانة، وأسوأ ما في الأمر أن الشخص المصاب يكون قادرا على نقل العدوى حتى قبل أن يشعر هو نفسه أنه مصاب بالمرض أو يشعر من حوله بمرضه أيضا. مما يؤدي الى تضاعف أعداد العدوى ونقلها بشكل لا يمكن التنبؤ به أو السيطرة عليه.
كما لا يمكننا أن نغفل عن وجه الاختلاف الثالث بين فيروس كورونا والانفلونزا الموسمية، ألا وهو المناعة المكتسبة. ففي حالة الانفلونزا وعلى الرغم من تطورها وتبدلها الدائم، إلا أن البشرية بشكل عام أصيبت منذ عقود طويلة بها أو قد تلقت لقاحات مضادة لها أو اكتسبت نوعا من المناعة ضد فيروس الانفلونزا وان لم تكن تلك المناعة مطلقة، أي أن الانفلونزا تنتقل فقط للأشخاص غير المحصنين ضد الانفلونزا أي هؤلاء الذين لم يتلقوا اللقاح أو الذين لم يصابوا بهذه السلالة من الفيروس من قبل، وهذا بالطبع يحد من سرعة انتشار الانفلونزا بين الناس. إلا أن في حالة فيروس كورونا، ما يزال الفيروس حديثا على البشرية جمعاء، فلم يصب أحد به من قبل، ولم يتلق أي لقاح يكسبه أي درجة من المناعة وما تزال الابحاث الحالية لا تثبت وجود مناعة أبدية بعد الاصابة بفيروس كورونا، مما يجعله خطرا مستمرا ومتنامياً تماما ككرة الثلج المتدحرجة.
كما يكمن الاختلاف الرابع في عدد المرضى الذين يحتاجون لدخول المستشفى لتلقي العناية الحثيثة. ففي حالة الانفلونزا تكون نسبة الدخول للمستشفى هي تقريبا 2 % بينما في حالة فيروس كورونا قد تصل الى 30 % من الاشخاص المصابين. كما لا يخفى على أحد أن نسبة الوفاة بفيروس كورونا من بين المصابين قد تصل الى 3 % وربما أكثر بينما نسبة الوفاة للمصابين بالإنفلونزا هي 0.1 % .
وعليه، يتوجب على الجميع تحمل المسؤولية في هذه المرحلة بعدم الركون للاستهتار واللامبالاة، كما يجب على الحكومة زيادة أعداد المطاعيم للانفلونزا الموسمية لتخفيف الضغط عن الجهاز الصحي المنهك في هذه المرحلة، كما يجب على الجميع الالتزام بالتباعد الاجتماعي ولبس الكمامة والالتزام بكافة الإجراءات الصحية، آملين أن يرى اللقاح النور قريبا وتزول عن الجميع هذه الغمة.