بين محمد علي كلاي وابنه

يختار ابن محمد علي كلاي، محمد جونيور، الذكرى الرابعة لرحيل والده البطل الأسطوري، لكي يحاول جذب الأنظار إليه من خلال تصريحات خرقاء من الصعب أن نأخذها على محمل الجد.اضافة اعلان
قبل أيام، شنّ الرجل هجوما كبيرا على حركة «حياة السود تهم»، متهما إياها بالعنصرية، وبأنها حركة تحول الاحتجاجات إلى فرصة للقيام بأعمال العنف والنهب.
يحق للرجل أن يتخذ الموقف الذي يريده من هذه الحركة التي ينضوي الملايين تحت لوائها، معبرين عن سخطهم الشديد، وغضبهم من الطريقة التي يتعامل بها رجال الشرطة الأميركيين مع مواطنيهم السود، خصوصا بعد العديد من حالات القتل بدم بارد التي ارتكبها شرطة بيض بحقهم، وآخرها مقتل الأميركي جورج فلويد.
قلنا، يحق للرجل أن ينتقد الحركة، وأن يقف منها موقف الرفض والعداء، لكن، وبكل تأكيد لا يحق له «تحوير» آراء أبيه، خصوصا حين يتعلق الأمر بالحرية والعدالة، فلا يجوز أن يقول إنه لو كان أبوه على قيد الحياة لأدان الحركة و»أعلن كرهه لها»، كما لا يحق له أن يعلن على لسان أبيه بالقول إنه لو كان أسطورة الملاكمة العالمية ما يزال حيا، لأعلن تأييده للرئيس الأميركي العنصري دونالد ترامب!
ما يجهله الرجل، على ما يبدو، هو أن ما حققه محمد علي كلاي من حضور عالمي تحت الأضواء على مدى عقود طويلة، ليس عائدا، فقط، إلى كونه بطلا في الملاكمة، بل لأجل صفات أخرى بالإضافة إلى تواضعه، وأهمها وقوفه إلى جانب القضايا التي يراها عادلة وتستحق الدعم.
كلنا ما نزال نتذكر كيف رفض الذهاب إلى فيتنام لأنه لا يريد أن يخوض حرب الإمبريالية البيضاء، فعوقب بالسجن، لكن ذلك لم ينل من ثباته على قناعته.
الغريب أن ابن الأسطورة، ورغم كونه أميركيا أسود، إلا أنه يجهل، أو يحرّف الكثير من الحقائق التي تواجه المجتمع الأميركي الأسود هناك، فهو لا يتطرق، مثلا، إلى الممارسات العنصرية الثابتة بحق مجتمعه، ولا إلى أن نسبتهم في أميركا هي 7 % فقط، ورغم ذلك فإن نسبتهم في السجون تبلغ 50 % من المساجين، وبواقع مليون سجين!
وقد يجيب على ذلك بأن مجتمعات السود في غالبيتها متخلفة ويغلب عليها الفقر والعنف والجريمة، ولكن هذا الأمر نصف الحقيقة فقط، إذ لا بد من تقصي السبب الحقيقي إلى كونها على هذا الشكل، وهو في الواقع إفراز سياسات عنصرية قفزت عنهم في خطط التنمية والتطوير.
كما يبدو أن الرجل لا يتابع إنتاجات هوليوود التي أفرزت عشرات الأفلام لمناقشة التمييز العنصري الممنهج ضد السود، رغم النهايات الوردية البراقة الخادعة لبعض تلك الأفلام، والتي تحاول أن تروج خلالها إلى أن «الحق ينتصر في النهاية»، وأن الحلم الأميركي باق وينتصر، أيضا.
لكنها، وفي المجمل، أفلام فضحت تاريخا كاملا من التمييز على أساس اللون، وكشفت عن «إرث» طويل من «ثقافة الاستعباد» التي لم يتخلص منها الأميركي الأبيض، والذي ما يزال ينظر إلى السود على أنهم مجرد عبيد ولن يتطوروا أبدا.
في العام 1865، فتحت أميركا بابا أريد له أن يكون مدخلا إلى حقبة جديدة في تاريخها وتاريخ العالم، حين وقع الرئيس أبراهام لينكولن وثيقة إلغاء العبودية. تلك كانت مجرد خطوة واحدة في الحقيقة، فالتخلص من إرث طويل متجذر في الثقافة المجتمعية كلها يحتاج إلى أكثر من مجرد توقيع على ورقة، خصوصا حين نعلم أن لينكولن نفسه كان ضحية ذلك التوقيع حين تم اغتياله على يد أحد العنصريين البيض!