بين معركتي حلب والجنوب السوري

في حين ثمة تقديرات بأنّ الحاضنة الشعبية الداعمة للمعارضة في حلب ستصبّ في صالح "توازن الضعف" بين المعارضة والنظام السوري، تتضارب التقديرات حول أبعاد ما نقله وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لنظرائه الأوروبيين أخيراً، بأنّ ثمة اتفاقاً روسياً-أميركياً على "إنشاء غرفة عمليات مشتركة" في عمّان، تكون من صلاحياتها الإشراف على العمليات العسكرية في سورية.اضافة اعلان
المعروف أنّ ثمة آليات للتنسيق موجودة حالياً في كل من واشنطن وجنيف وعمّان، إضافة إلى آلية العمل التي اتفق الأردن مع روسيا على إنشائها في عمّان، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لتنسيق العمليات العسكرية في سورية. لكن إلى جانب تلك المراكز، فإن لدى موسكو منذ أشهر غرفة عمليات مشتركة روسية-إيرانية-سورية في بغداد، ما يعني أن أيّ تنسيق بين موسكو وواشنطن قد يثير شكوك طهران. ويمكن التقليل من تأثير ذلك بالنظر إلى الخبرات السابقة، وبالنظر إلى أنّ استكمال سيطرة النظام السوري على طريق الكاستيلو ومحاصرته حلب (قبل أن تحاول المعارضة منذ أيام إحداث تغييرات في المشهد الميداني لصالحها) قد جرى بدعمٍ روسيّ وبعد لقاءات كيري الأخيرة في موسكو، أي بعد التوصل إلى الاتفاق.
في العام 2012، قررت واشنطن ضبط الجبهة الجنوبية. وبالفعل، انقطع بذلك الخطر المباشر على النظام في دمشق. وقبل أيام، أعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، أنّ التحالف الذي تقوده أميركا لمحاربة "داعش" سيبحث فرص "مهاجمة التنظيم في سورية من الجنوب. وسيكون لذلك فوائد إضافية تتمثل في مساعدة أمن شركائنا الأردنيين، وفصل مسرح العمليات في سورية عن مسرحها في العراق بشكل أكبر". هنا يثور التساؤل حول أبعاد هذا التحرك المستجدّ في ظل الإعلانات الدولية المتكررة عن تسريع حرب "اجتثاث داعش" ودينامية التحضير لمعركة الموصل. ويأتي إعلان وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان، بأن فرنسا سترسل حاملة الطائرات شارل ديغول إلى الشرق الأوسط، وستعزز الدعم الجوي للجيش العراقي مع نهاية آب (أغسطس)، وستزيد من حدة الضربات في سورية والعراق، وستنشر طائرات "رافال" في الإمارات والأردن، ليضفي مزيداً من التساؤل عن تحركات قد تأخذ طابعاً استراتيجياً، وربما تترك "تغييرات جذرية" في المشهد الإقليمي، مع الانتباه إلى أنّ المعارك العسكرية في حلب أظهرت أنّ لدى واشنطن استعداداً للتساهل مع النظام السوري. ولا أدري إنْ كان موفقاً الربط بين ذلك وتصريحات كيري لنظرائه الأوروبيين بأن البحث في مصير الأسد "مؤجل إلى مراحل لاحقة"، وتأكيده أن "لا حلّ في سورية من غير الجانب الروسي". وما يزيد من حالة الغموض بشأن أجواء تفعيل اجتثاث "داعش" عبر جبهة الجنوب السوري، وجوهرية معركة حلب، حالة التوتر في علاقات أنقرة مع دول "الناتو" وواشنطن بشكل خاص، عقب الانقلاب الفاشل، وتوجّه حكومة أردوغان نحو موسكو.
ما يُقلق الأردن هذه التجمعات المتزايدة لتنظيم "داعش" أو الفصائل المبايعة له على حدود الأردن الشمالية، وكذلك على حدوده مع العراق، والتي ما تزال تعرقل إعادة معبر الكرامة/ طريبيل للعمل كالسابق، بخاصة أن التوجّه لاجتثاث "داعش" جغرافياً سيعني تشظي ظاهرته الإرهابية. هنا قد لا يكون من الخطأ قراءة تداعيات تحوّل "النصرة" إلى "جبهة فتح الشام" في سياق ذلك؛ لأن القبول الإقليمي والدولي غير المتوقع للجبهة الجديدة (مجرد اسمها الجديد يدلّ على أنها لم تتغير)، سيصبّ باتجاه مزيد من التشدد والتشظي والانشقاقات فيها، ومن هنا دعوة نخب أردنية إلى إقامة منطقة عازلة على الحدود مع سورية، ولا يبدو أنّ طرفاً مؤثراً في الأزمة مستعدٌ حالياً للتجاوب مع هكذا خيار.