بِشرٌ على بِشر

كتبت على مشارف تشكيل حكومة الدكتور الرزاز قبل سنتين تقريباً، وأعيدها في حكومة الدكتور بِشر، إن أي حكومة لا تأتي كحكومة برلمانية من رحم حياة حزبية وطنية برامجية، ستقوم في أدائها على فقه الاجتهاد وقاعدته: «....إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر». يبدأ هذا الاجتهاد من التشكيل الذي هو مخاض صعب، ولكن أساسه المعرفة الشخصية، وتوخي الانسجام والسعي نحو الفريق الواحد، ولهذا فإن رؤساء الحكومات جميعهم لم يخرجوا عن هذا النهج، فهم يختارون وزراءهم من بيئتهم الشخصية أو العملية مع مراعاة التمثيل المناطقي والجندري ما أمكن، لا يخرج عن ذلك سوى بعض التوجيهات لمؤسسات الدولة المعروفة لمناصب وزارية محددة، وفي هذا السياق ليس بالإمكان أحسن مما كان، وأي تشكيل وزاري لن ترضى عنه المعارضة، ولا الممانعة، وسوف يظهر لك فيه من يكون إشكالياً حتى منذ بدء التشكيل، علماً بأن أول من قد يدفع ثمن هذا الاجتهاد هو الرئيس نفسه، وقد شهد الرؤساء تقلب الناس في ساحة العمل مما دفع أغلبهم إلى تعديلات وزارية متعددة وفي أوقات قصيرة. الأصل أن الحكومة تأتي من أغلبية حزبية لأحزاب وطنية أردنية الهوى والهوية، حيث جلس المختصون في تلك الأحزاب ووضعوا برامجهم وخططهم للوطن، وفازوا بثقة الشعب على أساس من تلك البرامج، يقابلهم أحزاب أقلية في البرلمان لها أيضاً برامجها يشكلون ما يسمى حكومة ظل، يعارضون على أسس برامجية بعيداً عن المعارضة للمعارضة أو قنص المواقف الشعوبية أو تعقيب المعاملات، وهذا ما وضعه جلالة الملك رؤية لمستقبل الحياة السياسية في أوراقه النقاشية، ولكن الحكومات جميعاً لم تفعل شيئاً في طريق هذه الرؤية وتحقيقها. على عكس ما يقال ويشاع فإن أزمة كورونا باعتبارها «واقعاً جديداً»، فإنها فرصة ذهبية للتغيير والتطوير على مستوى الحكومة وعلى مستوى الشعب، والباحث في أنماط التطور الحضاري سيقف على حقيقة أن الحضارة الإنسانية والتقدم العلمي والإنساني إنما نهض من بين أنقاض الكوارث، بشرط أساسي وهو تغير في أدوات العمل ومنهجه، فلا تتوقع تغيراً في النتائج إن ظللت تستخدم ذات الأدوات وذات المنهج الذي أخفق في تحقيق التطوير المطلوب. يمكن لهذه الحكومة أن تكون علامة فارقة إن سارت على طريقين متوازيين، أولهما عملي «إنقاذي» والصراحة أن كتاب التكليف السامي يمثل خطة إنقاذية جاهزة، مطلوب من الحكومة تحويلها إلى خطوات واضحة ضمن خطة تنفيذية زمنية، وقد أعلن الرئيس في أول تصريح له عن مثل هذا التوجه، وفي هذا المجال من المهم التركيز ولو بالاستعانة بالخبراء على ضرورة وضع خطة إعلامية واضحة تركز على تغيير سلوك المواطنين نحو ثقافة الالتزام بالقانون عموماً، وبتعليمات مكافحة الوباء خصوصاً، وهذه ضرورة ملحة وعاجلة، فلا يكفي أن نعوّل على وعي المواطن، فإن الطبعَ غلبَ التطبع، وتغييرُ السلوكِ والثقافة الشخصية والمجتمعية من أعقد ما يواجه الحكومات، وأكثر مهامها صعوبة. أما الطريق الثاني فهو شمولي مستقبلي وطني عابر للحكومات يقوم على محاور عدة من أهمها: محورٌ سياسي حيث نحتاج وضع سرد سياسي للأردن في مئويته المقبلة، ذلك أن التنمية السياسية تحتاج إلى حالة اشتباك للمواطنين مع مشروع قوامه احترام الدستور وسيادة القانون قولاً وعملاً وترسيخ مفهوم المواطنة والمشاركة السياسية وإعلاء مجد الحقوق والحريات الدستورية وحقوق الإنسان، أما المحور الآخر فهو اقتصادي يحتاج لخطة شمولية تعتمد فكرة «الاعتماد على الذات» زراعياً وصناعياً، وقد تحدث عنها جلالة الملك في أكثر من مرةٍ وموضعٍ، وأهم هذه المحاور التعليمي والذي يهدف إلى إصلاح تعليمي شامل هدفه التحويل للتعليم المهني، وقد نعود لكل منها في مقام آخر. بما أعرفه عن شخص الرئيس أستطيع القول بموضوعية أنك تتحدث عن بلدوزر جديد في الدوار الرابع، سيجهد فريقه في العمل، حاد الذكاء، ذو معرفة قانونية ودبلوماسية ثرية متنوعة، تربطه بالعراق خاصة والوطن العربي عامة علاقات طيبة، دبلوماسي لن تمنعه دبلوماسيته من حزم الأمور، وإن غداً لناظره بشرٌ قريبٌ، قولوا آمين جنابكم!اضافة اعلان