تأجيل مشروع الحكومة الجديدة

ليس فقط غموض أجندة الأيام المقبلة بالنسبة للحكومة ومجلس النواب والانتخابات، وإنما فوق ذلك حقيقة أن أولويات الشعب الأردني هي، بصورة ضاغطة، الظروف المعيشية والاقتصاد. الأمن يتراجع الى المرتبة الثانية بفعل الاطمئنان إلى كفاءة القوة العسكرية والأمنية الأردنية وتراجع "داعش"، والسياسة لم تكن أولوية في أي وقت، وهي ليست كذلك الآن في ظلّ الضائقة المعيشية.اضافة اعلان
هل نعيش بالفعل "ضائقة"، أم هي الشكوى التقليدية السائدة في كل وقت؟ لا أريد أن أنفخ في محاولة شباب عجلون الخمسة الانتحار، لنقول إن شباب الأردن في حالة يأس تام؛ فقد تكون فكرة خطرت لأولئك الشباب لجذب الانتباه إلى قضيتهم، لكن البطالة تتفاقم فعلا. وما يمتصه الجيش والأجهزة الأمنية أساساً ليس كافيا. وأيضا، الدخول تتراجع كنسبة لغلاء المعيشة. والقطاعات الرئيسة، وفي مقدمتها الصناعة، مأزومة بفعل إغلاق أسواق رئيسة، في مقدمتها السوق العراقية. وقل الشيء نفسه عن قطاع النقل. والقطاع الخاص يستوعب نسبة متواضعة للوظائف الجيدة، بينما العمالة العامّة تتعرض لاكتساح من جانب السوريين خصوصا. وما تضخه المساعدات للاجئين أكثر تواضعا كل يوم، ولا تنعش السوق.
لعلّ قرارات مؤتمر لندن لدعم الأردن، ومشروع مارشال السعودي "المفترض"، يفتحان كوة في الجدار. لكن الأمور ما تزال غامضة. ومن أجل الدعم السعودي المفترض، ها قد تقرر عقد دورة برلمانية استثنائية فورية الأسبوع المقبل، من أجل قانون واحد هو صندوق الاستثمار الذي يفترض أن يضخ فيه التمويل السعودي. إنما في كل الأحوال، أصبح ملحا للغاية وضع تصور لمشروع إنقاذي اقتصاديا، في ضوء الظروف الموضوعية القائمة؛ مشروع يجيب عن بضع أسئلة مفصلية، مثلا هل يجب أن نقوم بإجراءات تقشفية عميقة؟ هل يجب التوسع بالإنفاق لدعم قطاعات معينة، وإنعاش السوق ودعم الفئات الدنيا، ولو كان الثمن زيادة المديونية حاليا؟... وأسئلة أخرى عديدة يتوجب الإجابة عنها في إطار سياسة متناغمة للمديين القصير والمتوسط، ونحن أمام ضغوط صندوق النقد الدولي بالوصفة إياها التي تعني ارتفاع الأسعار وتقليص الدعم وتراجع المستوى المعيشي للناس وانكماش الاقتصاد وزيادة الفقر والبطالة.
المشكلة أن الجهة الرئيسة المسؤولة عن قيادة مشروع اقتصادي، وهي الحكومة، ستكون في مرحلة انتقالية، ومعها السلطة التشريعية، في ظلّ مشروع انتخابات قريبة. والدعوة لعقد دورة برلمانية استثنائية قصيرة جدا الإثنين المقبل، أعطت الانطباع بأن حل مجلس النواب سيكون قريبا جدا، وسترحل معه الحكومة وتأتي حكومة انتقالية لا تملك التفويض والسلطة الضروريين لخطة اقتصادية ومشروع للمدى المتوسط. ويمكن الافتراض أن حكومة الإشراف على الانتخابات المفترضة قد تكون نفسها حكومة المستقبل الدائمة، في استباق لدور مجلس النواب المقبل. لكن هذا يضرب فكرة الحكومة البرلمانية، ويحرق الحكومة سلفا، في ظلّ الأوضاع الصعبة الحالية، وهي بداية غير موفقة لمجلس النواب المقبل.
ورغم أن الصوت السائد الآن هو التخلص اليوم وليس غدا من حكومة د. عبدالله النسور، إلا أن الخطة الأكثر حكمة وترويا تقول بعدم حرق حكومة جديدة سلفا، والذهاب إلى انتخابات من دون حلّ مجلس النواب، وبالتالي مع الحكومة الموجودة؛ لنبدأ مع الانتخابات بمجلس جديد وحكومة جديدة ومرحلة جديدة.