تأخير ساعة الإصلاح

في الوقت الذي يبدو فيه أن جدل الإرادة السياسية قد حسم لمصلحة عملية إصلاحية عقلانية ومتدرجة، تستمر مصادر الإعاقة التقليدية بالتصعيد في دفاع مستميت عن مصالحها المتمثلة في استمرار الأمر الواقع، وكأنها خارج التاريخ والجغرافيا معا.اضافة اعلان
لا ندري لمصلحة من محاولة الإمساك بعقارب ساعة الإصلاح لإيقافها عنوة بعدما فرز الحراك السياسي المكثف خلال الشهور الأخيرة هوية الإصلاح، وأثبت قدرة الكتلة الوطنية الأردنية التي تتبلور هذه الأيام داخل الدولة والمجتمع معاً على تحديد ملامح الإصلاح السياسي واتجاهاته وسقوفه أيضا،  بل الوصول إلى تعريف شبه دقيق لـ"ماذا نريد من الإصلاح؟". وهذا ما ينفي جملة وتفصيلا كل الأوهام والهواجس التي بيعت لنا في السابق.
إن مهاجمة مجلس النواب الحالي والتقليل من شأنه ومكانته فيه الكثير من الظلم لمكانة المجلس ورمزيته الوطنية ولذوات السادة النواب أنفسهم. فهم في المحصلة جاؤوا نتيجة نظام انتخابي تشوبه العيوب من رأسه إلى قدميه، وبالتالي فهم حجر أساس في المكون السياسي الوطني حيث تحتاجهم حركة الإصلاح قبل غيرهم. لكن المشكلة تبدو أكثر حساسية وإثارة للاستغراب حينما يتحول الحراك النيابي إلى مجرد القيام بمهمة إدارة ردود الأفعال، وبالتالي الدخول في موجة طويلة من الانفعال السياسي وليس الفعل الذي يراكم ويغير؛ لاحظنا خلال الأسابيع الماضية كيف فرغ الدور الإصلاحي للمجلس وتم اختصاره بردود الأفعال على الحراك السياسي الإصلاحي، وتحديداً على حراك لجنة الحوار الوطني، وكيف تمت مهاجمة بعض التصريحات التي تحدثت عن نهاية مبدأ الصوت الواحد، الذي انتهى عمليا وفعليا ليس في الشارع، بل وفي المؤسسة الرسمية ذاتها.كما نحن بحاجة إلى تعبئة وطنية عقلانية وحكيمة نحو الإصلاح على اعتبار أنه خيارنا الوحيد في ترسيخ الاستقرار ومكافحة الفساد وحماية كرامة الأردنيين، فنحن بأمس الحاجة لحماية صورة مجلس النواب؛ فالديمقراطيات من دون برلمانات ناضجة لا قيمة لها عملياً؛ فاللحظة التاريخية الراهنة تعني أن يفكر السادة النواب على أقل تقدير بإصلاح شؤون مجلسهم الداخلي بما يضمن تقديم رؤية جديدة للنظام الداخلي وتقديم سيناريوهات متعددة لآلية الارتقاء بأداء المجلس، فأكثر ما يمكن أن يقدموه للأردن في هذه اللحظة هو ترميم سقف القيمة قبل أن تقع فوق رؤوسنا جميعا.
أحوال الإصلاحيين أيضا ليست مطمئنة وتدعو للكآبة أحيانا. فهذه اللحظة إذ تفتح أوسع الأبواب للإصلاح فإنها تفتقد الخطاب الناضج لدى بعض القوى. والأهم من ذلك أن خطاب الإصلاح يفتقد للعمق المجتمعي، بمعنى القدرة على خلق الالتفاف المجتمعي حول رؤية إصلاحية واضحة.
الكتلة التاريخية الديمقراطية المنتظرة وحدها تملك قدرة وإرادة الهدم والبناء معاً، وتستطيع تحمل آلام التغيير واستيعابها، وتتمكن من إعادة تأهيل النقد الذاتي على قواعد العقلانية، والوصول إلى الناس والدخول في اشتباك مع الحفائظ الداخلية والصور الذهنية والثقافة الشعبية، فأول مطالب الخروج من حالة الفصام في سياق حركة الإصلاح إدراك كنه العملية الإصلاحية بوجود كتلة ديمقراطية مستقلة تمثل العمق المجتمعي.
في المجتمعات المتحولة، كما هو الحال في الأردن، يصعب الرهان على الإرادة الشعبية وحدها في ضمان الانتقال السلس والتجدد للنخب السياسية وبناء كتلة ديمقراطية مستقلة، بل يتطلب الأمر من الدولة التي تحتاج لحماية مصادر الاستقرار وتنويعها، أن تكون اللاعب الأساسي في تجديد النخب في كل مرحلة، ولعل هذا المطلب في الحالة الأردنية أحد مصادر الاستقرار الموضوعية، الذي يجب الالتفات اليه بعد أن أفلس طيف واسع من النخب التقليدية من القدرة على الإجابة عن أسئلة المجتمع والدولة ذاتها.