تأكيدات الدعم وطقوس الاستشهاد الجهادي

المتحدث العسكري الرسمي باسم "هيئة تحرير الشام" أبو خالد الشامي، الذي قتل مؤخراً - (أرشيفية)
المتحدث العسكري الرسمي باسم "هيئة تحرير الشام" أبو خالد الشامي، الذي قتل مؤخراً - (أرشيفية)
هارون ي. زيلين* - (الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا) 17/6/2021 مع انتشار عبارات التأبين على الإنترنت للمتحدث العسكري الرسمي باسم "هيئة تحرير الشام" أبو خالد الشامي، الذي قُتل مؤخراً، سلطت كلمات الرثاء الضوء على الاختلافات بين المنظمات الجهادية الرئيسية، وكشفت عن الجذور المحلية القوية التي شكلتها "هيئة تحرير الشام" في سورية. * * * عندما يُقتل زعيمٌ جهادي كبير، عادةً ما تعلو الأصوات بالتصريحات المتنافرة التي تؤبن القتيل، والتي تتيح بذلك طريقة لتقدير مدى الدعم الذي كان يحظى به ذلك الزعيم أو التنظيم الأوسع الذي ينتمي إليه من خلال رصد الأطراف التي تصدر مثل هذه التصريحات. وتتبلور هذه الديناميات بصورة كاملة في عالم الجهاد عبر الإنترنت، حيث لا يقتصر الأمر على قيام التنظيمات نفسها بنشر مثل هذا المحتوى على منصاتها الإلكترونية المفضّلة في تلك الفترة، بل إن أنصار التنظيم المعيّن على وسائل التواصل الاجتماعي يقومون أيضاً بإعادة نشر المحتوى ومشاركته، ليتّسع بذلك نطاق الانتشار المحتمل لرسائل التهنئة حول ما يعد استشهاد شخص ما. في وقت سابق من هذا الشهر، قُتل أبو خالد الشامي، المتحدث العسكري الرسمي باسم "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على أجزاء من شمال إدلب ومحافظات حلب الغربية، في غارة جوية روسية. وكان بذلك أول قائد كبير من "الهيئة" يُقتل منذ بعض الوقت، ليس لأن التنظيم ما يزال يسيطر على مناطق مختلفة من شمال غرب سورية على مدى الأعوام الستة الماضية فحسب، وإنما أيضاً بسبب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ربيع العام 2020 بين روسيا وتركيا. ونتيجةً لذلك، وبسبب عدم ارتباط "هيئة تحرير الشام" بتنظيمَي "داعش" و"القاعدة"، توفّرت وسيلة فريدة لاستكشاف ديناميات التأبين لـ"أبو خالد الشامي" أو الإحجام عن ذلك الإنترنت. كما توفرت أيضاً وسيلة أخرى لقياس مدى ترسخ سلطة "هيئة تحرير الشام" على المستوى المحلي -حتى وإن كان كل ما يتعلق بذلك يجري على موقعي "تلغرام" و"تويتر". أمثلة سابقة من تنظيمي القاعدة و"داعش" تاريخياً، عند مقتل أحد زعماء تنظيم القاعدة، كان بالإمكان ملاحظة قيام جميع فروع التنظيم، وكذلك الأيديولوجيين المستقلين والجماعات الأصغر حجماً، بإصدار بيانات على منصات التواصل الاجتماعي لتأبين ذلك القتيل. وعلى سبيل المثال، عندما قُتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أبو مصعب عبد الودود، على يد القوات الفرنسية في أوائل حزيران (يونيو) 2020، أصدرت التنظيمات والهيئات التالية بيانات تهنئة باستشهاد عبد الودود: وكالة ثبات الإخبارية الموالية لتنظيم القاعدة؛ وحركة الشباب المجاهدين؛ وتنظيم حراس الدين؛ وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ والقيادة العامة "للقاعدة"؛ و"الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية" التابعة للقاعدة. والواقع أن أياً من ذلك لا يدعو للاستغراب حقاً لدى معرفة أن هذه اللازمة تتكرر كلما يُقتل أحد زعماء القاعدة -إلى جانب وسائل إعلام أخرى أو أيديولوجيين قد ينضمون هم أيضاً إلى الجوقة. أما بالنسبة لتنظيم "داعش"، فنظراً لامتلاكه نظاماً إعلامياً مركزياً، بخلاف تنظيم القاعدة الذي تمتلك فروعه بأجمعها أجنحة إعلامية خاصة بها، فإن تقييم هذه الدينامية يتخذ أسلوباً مختلفاً في التحليل. ولعل المؤشر الأفضل في حالة تنظيم "داعش" هو ما حدث بعد مقتل أبو بكر البغدادي. عند النظر إلى حملة البيعة التي أطلقها التنظيم لاحقاً على الإنترنت، تمكن رؤية "ولاياته" المختلفة، وكذلك القوات المقاتلة المتحالفة معه بشكل غير رسمي، وهي تعلن البيعة لـ"أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" الذي نصّب نفسه خليفةً جديداً لتنظيم "داعش". ومن حيث الجوهر، وعلى عكس تنظيم القاعدة وشبكته التي تنشر بيانات نصية على الإنترنت، نشر تنظيم "داعش" عبر حساباته الإعلامية الرسمية على "تلغرام" في ذلك الوقت، صوراً لأعضاء التنظيم وهم يعلنون البيعة لإظهار مستوى تأييدهم. وبعد أن أطلق تنظيم "داعش" كل هذه البيعات، لوحظ أنها شملت محافظات ومقاطعات غير رسمية في كلٍّ من مصر وبنغلاديش والصومال وباكستان واليمن وسورية وأفغانستان وتونس ونيجيريا والفلبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ومالي وبوركينا فاسو والعراق وليبيا وإندونيسيا وأذربيجان. من أبّنَ أبو خالد الشامي؟ بما أن "هيئة تحرير الشام" اختارت طريقاً وسطياً توفيقياً في مسارها الجهادي، فمن المفهوم أن لا يقوم أحدٌ من المرتبطين بتنظيمي القاعدة أو "داعش" بتأبين أبو خالد الشامي. وكانت الجهات التي نشرت بيانات عبر الإنترنت لتهنئة أبو خالد على استشهاده على ثلاثة أنواع: (1) هيئة تحرير الشام وإيديولوجيّوها وأجهزة الحكم الداخلي الأخرى فيها؛ (2) الجماعات الجهادية الأخرى الأصغر حجماً المتمركزة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام؛ و(3) المجالس المحلية، والقبائل، والكيانات الأخرى في المناطق التي تسيطر عليها "الهيئة". وبالنسبة للنوع الأول، فهو يشمل "هيئة تحرير الشام" وجناحها العسكري و"مكتب العلاقات الإعلامية" التابع لها، وإيديولوجييها أمثال أبو ماريا القحطاني ومظهر القيس، إضافة إلى هيئتها المدنية المعروفة بـ"حكومة الإنقاذ" وجهازها البلدي المحلي المسمى "إدارة المناطق المحررة". أما النوع الثاني، فيضمّ حتى الآن "الحزب الإسلامي التركستاني"، و"لواء المهاجرين والأنصار"، ومجموعة من المقاتلين الأجانب، وقد أصدر هؤلاء بيانات لتأبين أبو خالد. لكن النوع الأخير هو الأكثر إثارة للاهتمام من بينها جميعاً لأن "هيئة تحرير الشام" تسيطر فعلياً على أراض، وهي بالتالي على علاقة مباشرة بمختلف الجهات الفاعلة. وهناك أيضاً ثلاثة تفسيرات لسبب إصدار كلمات التأبين من الجهات التي سيتم ذكرها هنا: (1) هناك إيمان حقيقي ببياناتها وكذلك تأييد للمشروعها المحلي؛ (2) أولئك الذين يرون أنها وسيلة لكسب ودّ هيكل السلطة المحلي لـ"هيئة تحرير الشام"؛ أو (3) أولئك الذين قد لا يدعمون "هيئة تحرير الشام"، لكنهم يشعرون بأنهم مجبرون على الإدلاء بتصريح ما بسبب التدابير القسرية السابقة التي اتخّذتها أو قد تتخذها "الهيئة". وبالتالي، يمكن اعتبار اثنين من هذه التفسيرات الثلاثة للدعم المحتمل المقدَّم عبر الإنترنت على أنهما مجرّد أداء مسرحي لأسباب إيجابية أو سلبية. ومع ذلك، يظلان يخلّفان تبعات حقيقية على أرض الواقع، لأنه لا يمكن الفصل تماماً بين ما يحصل على الإنترنت وما يجري في العالم الحقيقي، لا سيما في هذه الحالات التي تسيطر فيها جماعة جهادية على المنطقة. وبعد قول ذلك، يمكن الإشارة إلى الأطراف التي أطلقت تصريحات مماثلة حتى الآن: سكان حلفايا (محافظة حماة)، و"قبيلة الجبور" في "الشمال المحرَّر"، و"المجلس الثوري العام لمحافظة إدلب"، و"مرصد الشمال"، و"أهالي بلدة ألتح" (محافظة إدلب)، و"قبيلة النعيم"، و"مجلس مهجري أهالي سراقب"، و"قبيلة العقيدات" (حمص- حماة)، و"قبيلة بني خالد"، و"عشيرة البوعاصي" من "قبيلة البكارة"، و"أهالي ومهجري دمشق وريفها في الشمال المحرر". مهما كانت الأسباب وراء إصدار هذه الجهات لبيانات التأبين لأبو خالد، فإنها توفر فرصة لـ"هيئة تحرير الشام" لتأكيد الدعم الذي تتمتع به بشكل غير مباشر. ولذلك، وبخلاف حالتي تنظمَي القاعدة و"داعش" اللذين يرتبط كلاهما بمزيد من الديناميات الداخلية لشبكات القتال الخاصة بهما، تبقى هذه ميزةً بالنسبة لـ"هيئة تحرير الشام"، مع أن هذه الأخيرة تأخذ أيضاً في الاعتبار مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة. ويسلط ذلك الضوء على الطبيعة الأقل انعزاليةً لـ"الهيئة" بشكل عام، ويوضح أيضاً كيف رسّخت جذورها في المجتمعات المحلية في شمال غرب سورية. وهي أيضاً طريقة أخرى يمكن من خلالها لمؤيدي "هيئة تحرير الشام" عبر الإنترنت إعادة نشر هذه البيانات ذات الطابع المحلي لتكون بمثابة مكبّر صوت لمجتمع "الهيئة" عبر الإنترنت. وبذلك، من خلال استكشاف هذه الديناميات الدقيقة المتعلقة ببيانات التأبين التي أعقبت وفاة زعيم جهادي، يمكن اكتساب فهم أكبر لمدى الاختلاف من بعض النواحي بين "هيئة تحرير الشام" ورفاقها السابقين في تنظيمي القاعدة و"داعش"، وكذلك درجة رسوخ سلطتها محلياً -حتى مع استمرار مشاعر الاستياء من حكم "الهيئة" في بعض الجيوب المحلية. *زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وباحث زائر في "جامعة برانديز". يركز في أبحاثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا وسورية، وعلى نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإلكترونية عبر الإنترنت. نشر المقال أولاً على موقع "الشبكة العالمية للتطرف والتكنولوجيا" تحت عنوان: Affirmations of Support and Rituals of Jihadi Martyrdoms، وترجمه إلى العربية "معهد واشنطن".اضافة اعلان