"تايلند أعطتنا فوق طاقتها"

كان هاني زعرب، في العاشرة تقريبا، عندما بدأت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى 1987، وهو في رفح، في قطاع غزة. وكان الإسرائيليون حينها يفرضون "منع التجول"، الذي يتذكره ذلك الجيل جيدا، وخصوصاً ذكريات سبل القضاء على الملل. اضافة اعلان
أثناء منع التجول تعمقت علاقة هاني بمكتبة والده الصغيرة؛ شدته الرسومات، في الكتب المصرية القديمة. بدأ يحاول نسخ الصور بطرق طفولية، ثم صار يرسمها، فقرر أن يصبح فناناً. عند إنهاء مرحلة المدرسة، ذهب زعرب إلى نابلس، في الضفة الغربية، لدراسة الفنون في جامعة النجاح، وصار فناناً، ثم حدثت انتفاضة الأقصى، ومع الحواجز ومنع التجول، لم يعلق فقط بالضفة الغربية، بعيدا عن غزة، بل انقطع في رام الله عن نابلس. وصار يُدعى لمعارض دولية، ولا يتمكن من السفر، فيرسل لوحاته، ولا يذهب هو، وعندما تمكن من الخروج بنية العودة، ذهب إلى باريس وعلق هناك، لم يعد مسموحا عودته. ولكنه يرسم عن لاجئين متمردين.
هذه القصة، من مقابلة في برنامج إذاعي، يسمى "أنا من هناك"، ويبدأ كل أسبوع بعبارة، "صوت الشتات العربي الفلسطيني". يُسجّل في ملبورن، باستراليا، ويبث من هناك، وتجده أيضا على "اليوتيوب". فريق البرنامج ثلاثة شباب؛ يوسف الريماوي، وطارق عودة، ودارين فهمي.
البرنامج، يمزج الألم والجمال.
قصة هاني أعلاه، واحدة من قصص فيها إنجاز ما، وجمال نسبي. ولكن البرنامج يبحث القضايا الأخرى. وفي الأسابيع الأخيرة، سلط الضوء على مكانين: مخيمي دير بلوط وعزاز، وتايلند.
من المُرجح، أن لاجئة في دير بلوط، شمال سورية، تعرف لاجئة في تايلند، لأن لمخيم اليرموك، في دمشق، نصيبا في المكانين.       
في دير بلوط، لا حاجة لأن يصف جد لحفيده، أو لجارهم السوري، قصة الخيمة بعد اللجوء من الحرب العام 1948. فالسيناريو يتكرر، خيام لا تقي من البرد أو المطر، عندما تشتد الرياح والأمطار، بل يصبح مطلوبا أن يحموا هم الخيام، من الطيران، بالجلوس فوق أطرافها، كما فعل اللاجئون سابقا، والذين جلسوا أيضا على ألواح "الزينكو" التي استخدمت في مرحلة لتغطية أسقف جدران أقيمت بدل الخيمة. ولكن ربما أخبر الأجداد أحفادهم أن ما تفعله إدارة المخيم من منعهم من بناء مداميك من الطوب لحماية الخيمة، ووقف المطر، حدث معهم في طفولتهم. ويخبرونهم أن المعاناة مع الجوع، ومع المرحاض المشترك للمئات، كانت موجودة.  
لاجئة أبلغت البرنامج: خرجنا من مخيم اليرموك،  نبحث عن أمان، وتايلند الوحيدة التي أعطتنا تأشيرة، فجئنا نطرق أبواب الأمم  المتحدة من هنا. جئنا بتأشيرة، ثلاثة أشهر، وتجاوزنا. وتغاضوا عنا، بانتظار مفوضية الأمم المتحدة للاجئين لتجد لنا "وطنا ثالثا"، أي بلد آمن، إلى أن نعود لبلدنا، "إحنا عنا بلد، فلسطين". وتضيف "حكومة تايلند أعطتنا فوق طاقتها"، ولكن لا أحد يستقبلنا. يصف اللاجئون في تايلند، وهم مئات، أنه لا أصعب من السجن إلا الخوف منه؛ الهرب في الغابات، أو عدم الخروج من البيت، وتقول  "أمثالي كثر. أولادي، اثنان بالسجن. زوجي مريض، قلبه يعمل بنسبة 20 بالمائة، ولا يوجد حبة دواء واحدة، ونخاف الخروج من البيت لنجد دواء أو طعاما، رُعب، خوف، لا يعرف بنا إلا الله. مولود وُلِد من خمس سنوات لم يسجل حتى الآن". وتقول عن المسجونين في تايلند، لعدم وجود إقامة قانونية، "40 رجلا وامرأة وأطفالهم، بحرقوا القلب،.. نستغيث بكل إنسان لديه شفقة".
في دير بلوط، يصف لاجئ سوري، نقص الملابس، والرعب الذي يحل مع الظلام، في ظل عدم وجود أي إضاءة، خصوصاً إذا كان الشتاء يهطل. مخيم فيه 1200 خيمة لسوريين وفلسطينيين، ورعب طفل إذا احتاج الحمام ليلا. وتبكي امرأة "تعبنا ومُتنا من البرد، أصبحنا نكره مجيء الليل.. لا أحد يهتم بنا".  
يخطر للمستمع سؤال، لماذا اختار البرنامج، أغنية "يايما في دقة عبابنا.. يايما هي دقة فدائية"، بعد حديث اللاجئة؟ ومن الشاب الذي يغني؟. هل يعني هذا تلميحا أن الثورة هي الحل؟ وأي ثورة؟ ثورة الرسام، والفنان، والإعلامي، والسياسي، والأكاديمي، وبناء حركة جديدة؟. يُخبرك المذيع، عاشق اللغة العربية، يوسف الريماوي، إن الأغنية بصوت الشاب (المصري) حمزة نمرة، بطلب من مستمع.