تبادل الأطباق.. عادة اجتماعية صامدة يتوارثها الأبناء عن الأجداد

منى أبوحمور

عمان- تلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها الكثير العائلات منذ بدء جائحة كورونا؛ لم تقف عائقا أمام حب عمل الخير والمحافظة على عادات طيبة ارتبطت بشهر رمضان الذي يحمل خصوصية تعزيز التكافل الاجتماعي والعطاء والإحساس مع الآخر.اضافة اعلان
ومع الدقائق الأخيرة لإطلاق مدفع رمضان وأذان المغرب؛ تبدأ عملية تبادل الأطباق بين الجيران داخل العمارات السكنية وبين الأحياء القريبة والأقارب وحتى الأصدقاء في منطقة السكن ذاتها.
هذه العادات الاجتماعية توارثها جيل عن جيل وما تزال حاضرة، خصوصا كبير في القرى والمحافظات التي تبدو فيها بأبهى صورها. ورغم التباعد الاجتماعي الذي فرضته كورونا؛ وانشغال الناس والصعوبات التي يواجهونها؛ فإن هذه العادة الرمضانية بقيت مع الخمسيني أحمد الزعبي الذي اعتاد منذ صغره على رؤية والدته ترسل طبق من الإفطار لجيرانها، وكذلك لا تخلو مائدتهم الرمضانية من طبق أو طبقين على الأقل من الجيران.
ويقول الزعبي أعظم ما في هذا الشهر الفضيل هو التكافل والتراحم بين الناس فلا يمكن أن يبقى صائم جائعا في الحي. وحاله كحال الكثير من العائلات التي اعتادات على تحضير مجموعة من الأطباق لتوزيعها على الجيران والأحباء والأصدقاء خلال رمضان ولمن لهم النصيب في تناول الطعام، وفق قول أم صالح التي "تحسب حساب صاحب النصيب" في وجبة الإفطار اليومية.
وتقول "بركة رمضان تزداد بفعل الخير وطعام الواحد يكفي عشرة"، لافتة إلى أن هذه العادة الجميلة تشعر الجميع بقربهم من بعضهم بعضا وأنهم رغم ظروف الحياة الصعبة؛ إلا ان الود والتراحم يبقى موجودا.
أما أبناء أم علاء، فعادة ما يبدأون وجبة إفطارهم من الأطباق التي يرسلها الجيران، فدائما الطبق المرسل ألذ طبق على السفرة الرمضانية، وفق قولها.
أما محمد مبيضين فقد اتفق خلال شهر رمضان مع سكان عمارته على إرسال وجبة فطور كاملة بشكل يومي لحارس العمارة وعائلته، ليطمئن أنهم تناولوا إفطارهم ولا ينقصهم شيء.
تبادل الأطباق لا يقتصر فقط على وجبة الإفطار، فالحلوى الرمضانية والقطايف وحتى العصائر الرمضانية البيتية، كلها يتبادلها الجيران وترسلها العائلات لمن حولها، ولمن تعرض لضائقة مالية بسبب جائحة كورونا، وأصبحت حاجته أكبر لمسلتزمات أساسية.
مجموعة من العائلات ميسورة الحال في أحد أحياء مدينة السلط أخذت على عاتقها تأمين وجبات إفطار من منازلهم يشاركون فيها أسر فقدت دخلها بسبب جائحة كورونا، رغبة منهم في تقاسم لقمة رمضان مع جيرانهم ممن ضاق عليهم الحال.
المتخصص بعلم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع يشير إلى أن عادة تبادل الأطباق في رمضان من العادات المترسخة في المجتمع الأردني منذ قديم الزمان، وتضم أيضا مشاركة أهالي الحي المائدة من خلال تحضير كل عائلة إفطارها والتجمع بمكان واحد، وتظهر هذه العادة أكثر في القرى وليس بالمدن الرئيسية والتي تقتصر العلاقات فيها على رد السلام فحسب.
ولهذه العادة، بحسب جريبيع أبعاد اجتماعية إيجابية ينبغي تعزيزها والحرص عليها ليتعلمها الجيل القادم، وبالتالي المحافظة على التكافل الإجتماعي، مضيفا "طالما أن هناك عادات اجتماعية جيدة فلابد من أن توجه بطريقة أفضل وتؤسس بطريقة منظمة أكثر"، إذ أن تبادل الأطباق ليس فقط بين الجيران، وإنما أيضا لمن يعانون ظروفا صعبة، ويحتاجون لاهتمام والتفات الآخر لهم ومساعدتهم.
ويلفت جريبيع إلى أن تبادل الأطباق في رمضان لا يأتي من باب الواجب الاجتماعي مع الجيران وإنما أيضا يمتد لمن يحتاج المساعدة ولا تسمح له الظروف حتى بتأمين أساسيات الطعام في رمضان.
"نحن نعلم من هي الأسر المحتاجة حولنا دون أن تطلب"، يقول جريبييع الذي يبين أن المجتمع داخل المحافظات والقرى أكثر معرفة ببعضهم البعض، مؤكدا ضرورة تعميم وتعزيز هذه السنة الحميدة في المجتمع ومأسستها وتقديمها للعائلات المستورة على أن تكون دائمة ومستمرة وليست لوقت محدد.
ويمكن تطوير هذه العادة الحميدة بحسب جريبيع من خلال التنسيق بين الجيران، إذ يتم تقسيم الأيام وتوزيع الطعام بالتناوب لمن يحتاجه حتى يتمكن الجميع من فعل الخير.
إلى ذلك؛ فإن هذه العادة الاجتماعية بحسب جريبيع تحمل العديد من الفوائد، فهي تهذب النفوس وتعزز قيمة الاحساس بالآخر وتزرع بذور المحبة بين الناس وتساهم بتنشئة الأبناء على أساسيات تحقق التكافل الاجتماعي وتجعل العطاء ثيمة واضحة بحياتهم. وعلى العائلات أن تجعل الأطفال يشاركون بأنفسهم بإرسال الطعام ليشعروا بأن هذه السنة جزء من سلوكات وعادات ينبغي أن تستمر.