تجريم محاولة الانتحار

د.نهلا عبدالقادر المومني تجريم الشروع في الانتحار كان خارج دائرة النقاش العام أو الطرح والجدل القانوني منذ اقرار قانون العقوبات الاردني رقم 16 لعام 1960 وتعديلاته حتى بداية عام 2022. ومردّ ذلك بصورة اساسية الى وجود قناعة وجدانية مجتمعية والى حدّ ما عالمية بأن الانتحار والشروع فيه هو مظهر لخلل اجتماعي واقتصادي وخلل في الوصول الى متطلبات الرعاية النفسية والتأهيلية؛ لذا فإن الدول التي جرمت محاولة الانتحار معدودة ولاقى تجريمها لهذا الفعل انتقادات كبيرة. على الصعيد العربي هنالك ما يقارب من ثلاث دول جرمت محاولة الانتحار، وفي دولة أخرى مثل جمهورية مصر الشقيقة تم وضع مشروع قانون يتعلق بالانتحار ينص على إيداع من يحاول ارتكاب هذا الفعل مصحة نفسية بموجب قرار قضائي لفترة محددة على أن يكون خروجه من تلك المصحة بقرار مماثل وبعد خضوعه لإشراف طبي، وبالرغم من رؤية مشروع القانون المصري المختلفة والمستحدثة إلا أن القانون واجه انتقادات أيضا لما يشكله القرار الصادر بإيداع من يحاول الانتحار احدى المصحات المتخصصة حجز للحرية. أما على الصعيد العالمي فإن محاولة الانتحار يتم التعامل معها كجريمة فيما يقارب من العشرين دولة أغلب هذه الدول لم تبلغ بعد مراحل متقدمة فيما يتعلق بتبني نهج حديث في الفلسفة الجنائية العقابية، وتعتبر تشريعاتها الجزائية بعيدة عن تلبية المعايير الدولية لحقوق الانسان، ولا تشكل تشريعاتها ممارسات فضلى على مستوى العالم. في محاولة لاستقراء الواقع الأردني، ابتداء لا بد من الاشارة الى أن محاولة الانتحار مجرمة في قانون العقوبات العسكري الأردني اذا كانت هذه المحاولة للهروب من الخدمة العسكرية أو سعيا للفرار من واجباتها المنوطة بمن كلف بها، وهو أمر يتوافق والمنطق القانوني وطبيعة الخدمة العسكرية وواجباتها التي يعدّ التهرب منها مساسا بمصلحة وطنية عليا خاصة في الظروف الاستثنائية. أما تجريم محاولة الانتحار من قبل الافراد العاديين أمر ينطوي على مخاطر وانعكاسات اجتماعية وسلوكية ستكون نتائجها اكبر بكثير من المنافع المتحصلة من تجريم هذا الفعل؛ فمن يحاول الانتحار يعاني من اختلال سلوكي والقانون بحد ذاته لا يعالج او يصحح الاختلالات السلوكية او النفسية وانما مناط هذه الوظيفة تتعلق بمؤسسات اخرى ذات اختصاص، ناهيك عن ان محاولات الانتحار في جلها ترتبط بأشكاليات اقتصادية تفاقمت نتائجها لتؤثر على السلوك الاجتماعي والنفسي للافراد ما يتطلب البحث عن الجذور الأساسية لمظاهر الانتحار ومعالجتها والسعي لاحتواء هؤلاء الافراد ضمن آلية مؤسسية واضحة النهج والمعالم، أي أنه وباختصار ما يحتاجه من يحاول الانتحار مزيدا من الاحتواء المجتمعي القائم على نهج مؤسسي لا مزيد من الاقصاء وحجز الحرية ووصمة العار. في سياق متصل لا بد أن نعي جيدا ان ترحيل مشاكل من يحاول الانتحار الى مراكز الاصلاح والتأهيل من خلال حجز حرية الافراد فيها كعقوبة يعني بالضرورة مزيدا من الضغط على هذه المراكز وارتفاع احتمالية ممارسة هذا الفعل داخلها نتيجة عدم حل هذه الاشكاليات ابتداء وهو ما سيشكل على ارض الواقع تحديات جديدة لمراكز الاصلاح والتأهيل التي قطعت شوطا كبيرا أدى الى النهوض والارتقاء بهذه المراكز وصولا الى الى مستويات طالما سعى اليها الأردن بجهود حثيثة من الجهات ذات العلاقة. المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان