تجفيف منابع الإرهاب

في كل مرة يقع فيها فعل إرهابي في أوروبا أو في غيرها من غير بلاد المسلمين: العربية وغير العربية، يسارع المسؤولون في البلاد المسلمة إلى مطالبة الأسرة الدولية والعالم بالتضامن والعمل معاً لتجفيف منابع الإرهاب دون أن يذكر أي منهم مصدر أو مصادر هذه المنابع.اضافة اعلان
في تلك المطالبة مغالطة واضحة لا تنطلي على أحد، وبخاصة في الغرب، لأنها من جهة تدعي ان الأسرة الدولية أو المجتمع الدولي (الغرب) أو العالم كله شريك في هذه المنابع، أي في صنع الإرهاب، ومن أخرى تنكر نبعه أو مصدره الإسلاموي: العربي وغير العربي كما يتجلى في طالبان، والقاعدة، وداعش وأشكالها وأتباعها الكثر المقنعين، وأن تجفيف منابعه يقع أولاً على المسلمين كما قال جلالة الملك مرة ومرة: العرب وغير العرب، فهم الذين يصوغون ويصدرون العقلية أو العقيدة الإرهابية التي تبيح التفجير في الناس المصادفين من "الكفار" والمسلمين، وهم الذين يمولون أصحابها ويزودونهم بالسلاح ويطلقونهم في العالم الذي لا يتوقف عن مطاردتهم بوليسياً / أمنياً.
لا تستطيع الأسرة الدولية أو المجتمع الدولي أو العالم (أي غير المسلمين) سوى التصدي للإرهاب بالوقاية والعقاب. نعم، لقد خلقت أميركا وبالشراكة مع المسلمين: العرب وغير العرب، القاعدة لمحاربة السوفيت / الشيوعية المحتلة لأفغانستان بالإرهاب، ثم تركوها وتخلوا عنها بعد هزيمتهما، فتحولت إلى منظمة إرهابية عالمية، ولكن الغرب لم يخلق فكرها أو عقيدتها، بل استغلّهما.
لقد كانت التربة الإسلاموية وما تزال صالحة لنشوء هذه المنظمات بعد نحو خمسين سنة من التبليغ والدعوة والإعداد والاستعداد لذلك، وأنظمة الحكم شريكة فيه أو نائمة عنه. ولما بلغ الحماس أو الهوس الديني أوجه انفجر في وجهها ووجه الأسرة الدولية أو المجتمع الدولي أو العالم.
لا تستطيع أي مخابرات في العالم غسل دماغ الآلاف المؤلفة من الناس ليفجروا أنفسهم بالأبرياء كما يدعي كثير من المسلمين وجميع الإسلاميين والإسلامويين. قد تنجح المخابرات في غسيل دماغ واحد أو اثنين ليقتلا نفسيهما، ولكنها لا تستطيع أن تصنع عقلية جارفة لتفعل ذلك. ماذا يستفيد المجند أو العميل إذا فجر أو قتل نفسه من أجل السادة؟ لقد قبل العمل معهم ليستفيد مالياً أو جنسياً أو نجاة.
غير أن المخابرات - وقد تشكلت المنظمة الإرهابية – قد تخترقها للوقاية من أفعالها أو لتوجيهها أو لتخريبها. وقد ذُكر أن بن لادن كان يطلب من التابع الذي يشك فيه أن يتحزم بالمتفجرات لتأدية مهمة وأنه كان يقتل من يتردد.
  لقد أتاحت الهجرة واللجوء إلى أوروبا وأميركا للمسلمين انتقال الفكر الإرهابي إلى هناك، ومن خلال استغلال العَلْمانية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أنشأوا المساجد والمراكز التي وفرت لهم بث هذا الفكر بين الأطفال والفتيان والفتيات والشباب والشابات المسلمين الموجودين من قبل هناك. كان الغرب مغفلاً لأنه لم يخطر على باله أن الضيوف المتلهفين للحضور والبقاء سيعتدون على المضيف الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
لكنه – بعد أول إرهاب – استيقظ وصار يراقب ويتابع كل واحد منهم وينشئ له حساباً وملفاً، ويضيق الخناق عليه: مجيئاً وبقاءً. وربما يرى بدعوة المسلمين له للمشاركة في تجفيف منابع الإرهاب نداء له لإعادة احتلال بلدانهم للقيام بذلك ما داموا عاجزين أو غير راغبين في القيام بذلك بأنفسهم.
عندما تراقب تفجيرات هذه المنظمات الإرهابية تجد أنها تعمل عكس أهدافها فهي - وهي تريد السيطرة على العالم وإقامة دولة الخلافة- توقظ العالم كله ضدها، وبخاصة اليمين المتطرف الذي يعلن عزمه على طرد المسلمين وإغلاق الباب في وجوههم. وإلا لو كانت داعش... تفكر لَما قامت بأي تفجير في تلك البلدان، ولكنها تقوم به وكأنها تدعوه للتعبئة ضدها وضد المسلمين هناك.