تجليات الطائفية محليا

يبدو أن المنطقة قد وصلت إلى نقطة اللاعودة في التصعيد الطائفي الذي يعصف بها منذ أكثر من عقد، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر "حسن نية" من طرف تجاه الطرف الآخر.اضافة اعلان
يوم الجمعة الماضي، تفاجأت بـ"نوعية" الأدعية التي باتت سائدة فوق المنابر؛ فقد انصبّ جلها باتجاهات تصعيدية ضد المكونات الشيعية في المنطقة.
في خطبة الجمعة بأحد المساجد، اجتهد الخطيب في ابتداع "أجمل" القوافي والمفردات، داعيا بالويل والثبور والموت والهزيمة على "إيران" و"الروافض" و"الصفوية" و"المجوس" و"حزب الشيطان".
كثيرون انتظروا أن يضم الخطيب الهمام إسرائيل إلى قائمته، غير أن انتظارهم باء بالفشل، إذ يبدو أن المعادلات التي باتت سائدة اليوم في المنطقة، وضعت العدو الصهيوني في موقع الصديق والحليف بدلا من أصدقاء وأشقاء الأمس.
هذا المسجد والخطيب المفوّه الذي ارتضى بهذا الدور التحريضي، هما مثال ساطع لما يحدث في كثير من  مساجدنا اليوم، ما يمثّل شحنا طائفيا  يتعارض مع ما يعلنه الأردن عن نفسه كبلد وئام وسلام وتآخ وانسجام، كما يتعارض مع روحية رسالة عمان بما تمثله من تسامح والتقاء مع أصحاب الديانات الأخرى، فكيف نعجز عن استيعاب المذهبية داخل الديانة الواحدة؟!
اللعبة خطيرة للغاية، ولا يمكن لعاقل أن يركن إلى نتائجها النهائية، فهي تمثّل في ما تمثّله، توريطا للعامّة في خلاف سياسي مع دول أو أفراد أو جماعات، وتحويله إلى خلاف عقائدي، يبيح التكفير والإقصاء، وصولا إلى ما هو أكثر بشاعة من ذلك.
ينبغي علينا الاعتراف، قبل كل شيء، أن خلافنا مع إيران وحزب الله اللبناني، هو خلاف سياسي بحت، يتأتى من اختلاف المنظور الذي ينظر به كل طرف إلى الأزمة السورية ومتعلقاتها، وكيفية إدارة ملفات المنطقة، وفقا للمصالح. ولا يجوز، بأي حال من الأحوال، أن نحوله إلى خلاف عقدي، نذهب فيه إلى الاحتكام للدعاء، والشحن الطائفي وزراعة البغض والكراهية في الأجيال المقبلة، وعندها لن نكون، لا نحن ولا هم، من الفائزين، بل ستذهب الجائزة إلى إسرائيل التي تنتظر صراعا جديدا يحصد مزيدا من الأرواح، وينشر مزيدا من الدمار والخراب.
الشحن الطائفي يستعر اليوم في المنطقة برمتها؛ في الفضائيات على اختلاف توجهاتها ومرجعياتها المذهبية، وهو أمر أسهم بفاعلية في تأجيج الصراع داخل الإسلام نفسه، بعد أن استفادت منه مليشيات سنية وشيعية، واستثمرته في مقولاتها التخريبية تحت شعارات مختلفة، كالجهاد ودولة الخلافة، وسواها. لكن انتقال هذا الشحن من الفضائيات إلى المدن والقرى الأردنية، واستخدام أئمة المساجد وخطبائها لتعميمه، يمثّل أمرا خطيرا جدا، خصوصا أن المساجد ترتادها نسبة كبيرة من الأطفال واليافعين والشباب، فما هي نوعية "الاستثمار" الذي تنتظره الدولة في شحن هؤلاء طائفيا.
الخطاب الديني نحو الطائفة الشيعية الموجود على منابرنا اليوم، مرفوض، وهو لا يمثّل مصلحة لنا كأردنيين، إذ ينبغي للخلاف أن يوضع في سياقه السياسي، بعيدا عن الترهات التي يحاول بعضهم تعميمها.