تحالف طائفي على رؤوس الأشهاد

سأنتقي مفرداتي بعناية شديدة في هذه السطور التي قد لا تجتاز سقف الخمسمائة كلمة. وسأجهد نفسي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، كي لا أخرق قواعد النشر المسموح بها، وأنا أتهيأ للتعقيب على ما أسداه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من نصائح خاطب بها كل من يعنيهم الأمر، تساوي النصيحة الواحدة منها جملاً رباعاً، نثرها الرجل كالدر المكنون بين يدي السوريين والعرب والعجم والأتراك وذوي العيون الزرقاء، وذلك في معرض تلخيص موقفه اللوذعي إزاء مستقبل ثورة الكرامة السورية.اضافة اعلان
والسيد نوري المالكي، وهو الابن الشرعي لزواج أميركي-إيراني نادر، الوارث الوحيد بالأيلولة لتركه دولة عظيمة فكك عراها غزاة من وراء البحار، ثم استولت عليها العمائم السوداء في الجوار، ليس مثله مثل بقية المنافحين بالنفس والنفيس عن ابن العم العزيز والذهب الأبريز في دمشق، ولا هو في مقام غيره من ذوي المقامات الرفيعة والحوزات الحصينة، من الواقفين بالذراع والباع وراء الركن الركين للهلال الممتد من طهران إلى البصرة، مروراً بصعدة وغزة، ومنهما إلى ضاحية بيروت والشام.
فعزيز العراق هذا المنهمك في معارك داخلية أين منها أم المعارك الشهيرة، القاعد على ركبة ونصف لتهميش حلفائه وإقصاء شركائه، أرجح وزناً من معظم أفراد جوقة المنشدين بحب آل الأسد، مثل مقتدى الصدر أو أحمد الجلبي، وأقل فظاظة من محمود أحمدي نجاد، وأهم من حسن نصر الله الذي خسر سحره وفض سره بالأمس القريب. وبالتالي، فقد كان كل ما تفضل به رمز العراق الجديد من قول ماتع على قول سقيم، كلاماً يشنف الآذان ويأسر الألباب، ولا نقول يخجل المصفقين لحلف الأوغاد. ولم لا وهو الرئيس الحالي للقمة العربية التي خذلت السوريين، وقنطرة الوصل الوحيدة بين سورية وإيران؟
يقول سيد المنطقة الخضراء لا فض فوه، إنه ضد التدخل الخارجي في سورية، وضد تسليح الثوار، وأن القاطن في قصر المهاجرين لم يسقط، ويعد بفم ملآن أن وارث الجمهورية عن أبيه لن يسقط (كذا)، ثم يتساءل مستنكراً: ولماذا يسقط من يقف على ميمنة شبيحته جيش عرمرم من الباسيج والحرس والباسدران، وعلى الميسرة مجاهدون مجربون من ذوي القمصان السوداء في غزوة بيروت قبل أعوام، وفوق ذلك كله لديه كل هذا المدد من السلاح والقناطر المقنطرة من العتاد والمال؟
والحق أن مسألة التدخل الخارجي التي يرفضها من أتى على ظهر دبابة في غزو أميركي شاركت فيه ثلاثون دولة تنطق بكل لسان، مسألة فيها وجهة نظر وجيهة وقابلة للنقاش، لولا أنها اتت ممن هذا هو حاله.
أما مسألة تسليح الثوار السوريين فتلك قصة أخرى تستحق التناول بجدية أكثر، وتقليبها على سائر وجوهها الممكنة، وذلك لما تنطوي عليه هذه الدعوة غير البريئة من حجة رصينة، ظاهرها حق وفي باطنها تربص.
على أي حال، وبدون الحاجة إلى الإسراف في تأويل الكلام، والتعسف في إصدار الأحكام، فقد جاء تموضع المالكي على الهلال الذي اكتمل قوامه الآن، بمثابة إشهار عن تحالف طائفي على رؤوس الأشهاد، تحالف عقد رايته العباسية السوداء، وهب للدفاع عن قلعته الأخيرة المتهاوية في بلاد الشام. وما الحديث عن رفض التدخل الخارجي، والتحذير من مغبة تسليح المدافعين عن أنفسهم في حمص ودرعا وإدلب، غير سقط كلام تفوح منه رائحة مذهبية تزكم الأنوف وتعافها النفوس. ولولا القليل من التحفظ، لقلنا إن من بيته من زجاج لا يرمي الناس بهكذا نصائح حتى لا نقول حجارة ملساء.

[email protected]