تحديات البطالة: نحتاج حلولاً لا توصيفاً

لا أعرف إذا كان الإعلان عن توافر ثمانية آلاف فرصة عمل جديدة في القطاع الحكومي هو أمر جديد ويستحق هذا الزهو الحكومي باعتباره منجزاً حصرياً لها لم يأت به الأوائل؛ ربما نعرف جميعاً أن دائرة الموازنة العامة بالتعاون مع القطاعات الحكومية تنجز في شهر أيار من كل عام ما يسمى جدول تشكيلات الوظائف الحكومية الذي يحصر احتياجات القطاع العام من الوظائف بسبب الاحالات على التقاعد أو تعبئة الشواغر المستحدثة نتيجة استحداث دوائر جديدة وغالبيتها العظمى في قطاعين حيويين هما التربية والتعليم والصحة وأعداد محدودة لبقية الوزارات وهو أمر يتكرر سنوياً وبرقم يصل في حدوده القصوى لعشرة آلاف وظيفة، الأمر إذا لا يخرج عن إطار عرض الإنجازات الذي يتوالى منذ أن تشكلت الحكومة الحالية وكأن الناس في مغالبة وتحد معها. اضافة اعلان
تعلم الحكومة أن تعبئة الشواغر هنا أولوية في الأصل لتسيير عجلة الخدمات اليومية وهو ضروري لاستمرار العمل ومتطلباته التي تزداد بفعل التوسع والزيادة السكانية؛ فالحكومة التي تنوي بناء 600 مدرسة تعرف أن هذه المدارس تحتاج ثلاثة آلاف معلم بالحد الأدنى؛ وكذلك الانتهاء من توسعة بعض المستشفيات والمراكز الصحية يحتاج المئات وربما أكثر لتشغيلها وبعدها تأتي أولوية استيعاب مزيد من العاملين.
صحيح أن هذه الحكومة وأي حكومة غيرها لن تستطيع التعامل مع مشكلة بطالة قوامها (380 ألف طلب لدى ديوان الخدمة المدنية) وحلها بشكل جذري وينطبق ذلك على الدول التي لديها اقتصاديات مستقرة ولديها موارد مالية وثروات ولا تعاني من خلل هيكلي مالي ومديونية كما هو حال الأردن الذي يرزح تحت وطأة 41 مليار دولار دين عام وخدمة دين مرتفعة.
من المؤكد أن هناك صعوبة في التعامل مع زيادة معدلات البطالة؛ إذ وصلت في العام 2018 الى 18.7 %؛ نسبتها بين الذكور16.9 والاناث25.7 لكنها تستطيع التخفيف من تداعياتها وخاصة في المحافظات بالنسبة للإناث اللواتي يبدو أن لا بواكي لهن في الحكومة التي استطاعت أن تتعامل بطريقة التخدير الموضعي مع زحف شباب المحافظات نحو عمان وترحيل الأزمة لا حلها دون ملامسة البطالة بين الإناث بالرغم من تداعياتها الاجتماعية.
هناك مقترحات تستطيع الحكومة اللجوء لها وهي غير مكلفة لحل البطالة بين الإناث أولاً خاصة في المحافظات؛ ومنها إقامة مشاريع إنتاجية بالتعاون مع شركات التعدين، ومنها شركة البوتاس العربية، شركة مناجم الفوسفات وشركات الإسمنت المنتشرة من خلال منحها حوافز ضريبية وميزات تشجيعية مقابل دعم هذه المشاريع التي تستطيع استيعاب آلاف الفتيات وبرواتب مقبولة لا تتجاوز مبلغ ثلاثمائة دينار وهو مبلغ كفيل بأن يساهم في توفير حد مقبول لمن تعيش في منطقتها وبين أهلها بخلاف من تأتي لعمان للعمل إذ تحتاج أضعاف هذا المبلغ.
تستطيع الحكومة أن تقنع الضمان الاجتماعي أيضاً بأن يقوم بدوره ويساهم في انجاز العديد من المشاريع التي تقتصر الأولوية فيها على تعيين الإناث فهذا أجدى وانفع وطنياً وإنسانياً من العديد من المغامرات التي أقدمت عليها وحدة استثمار الضمان الاجتماعي سابقاً وكانت نتائجها الخسارة فيها مؤكدة ولا يسمح الوقت لذكرها سواء في شراء الأسهم أو شراء العقارات.
غول البطالة يداهمنا وبلدنا يمر في وقت حرج ودقيق وإذا لم يكن هناك مقاربة خارج الصندوق التقليدي في التعامل مع هذا التحدي ربما سندخل في حائط مسدود ؛ الإغراق في توصيف المشكلة واللجوء لسياسة التخدير الموضعي دون إنتاج حلول واقعية وسريعة هو فائض عبثي لا يطعم جائعا ولا نحتاجه في هذه المرحلة.