تحديات كبيرة أمام تحقيق "الأمن الغذائي"

عمان-الغد- تقف البلاد اليوم في مواجهة واقع مناخي قاس، ناجم عن التغييرات المناخية التي أصابت العالم بأكمله، وألقت بتأثيراتها الكارثية على أجزاء كبيرة من دوله، وما نزال نواجه هذا التحدي الذي انعكس بحيثياته المنهكة على مواردنا المائية وزراعتنا، وبالتالي ألقى بظلاله القاتمة على حجم فاتورة الغذاء الوطنية، التي ترهق الموازنة وتسبب بغلاء الأسعار، إذ نستورد نحو 80 % منه.اضافة اعلان
وتصنف المملكة، من بين أكثر دول العالم شحا في المياه على مستوى العالم، كما انها تقف على حافة التصحر، بعد الاعتداء على المناطق الزراعية، نتيجة عدم وجود تشريعات واضحة تحميها من التفتت، وتحرم التوسع العمراني فيها، الى جانب غياب آليات وقف الاعتداء على الغابات، وخطط التشجير الوطنية الكبرى.
يضعنا شح مياه الشرب والزراعة، أمام واقع مقلق بشأن أمننا الغذائي، فالأردن الذي يستورد حتى القمح، يمكنه ان يستعيض عن جزء كبير من هذا الهدر في فاتورة الغذاء، باستثماره في مشاريع زراعية وتطوير شبكات المياه الزراعية، والزراعات الحديثة قليلة الاستهلاك للمياه، وغيرها من المشاريع التي تنهض بتطوير البيئة المائية والزراعية المحلية.
وليست مبالغة أن المملكة، من بين الدول الأكثر تأثرا بالتغير المناخي وفق المتخصصة في قضايا المياه والبيئة الدكتورة منى هندية، التي تتوقع في هذا الملف، ان "تصل نسبة الجفاف في الأردن الى أكثر من 25 % نتيجة لنقص المياه"، وهي نسبة تدعونا لأن ندق ناقوس الخطر، وان نضع حدا لاستنزاف المياه الجوفية ومستودعات المياه الكبرى كالسدود والحفائر والبرك، بمعنى أن الحاجة باتت ملحة لاجتراح طرائق عمل تمكن من استغلال التساقط المطري الذي يقدر بـ8 مليارات م3 سنويا وفق وزارة المياه والري.
وفي وقت وصلت فيه البلاد إلى حافة الجفاف في عدة مواسم مطرية، ولم تتمكن من إشباع السدود بالمياه، إلى جانب تباطؤ السيطرة على الهدر المائي، وعدم السيطرة بشكل كامل على الاعتداءات المستمرة على خطوط المياه، وغياب التشريعات التي تجعل من الاعتداء على هذه الخطوط بمنزلة جريمة كبرى، وانعدام اي تصورات عملية لزيادة أعداد السدود والحفائر، حتى لا نصل إلى "العطش"، أو زيادة التصحر، فإن الأردن وصل ترتيبها كدولة تعاني من الجفاف، الى المركز 81 عالميا مبتعدة 33 نقطة عما كانت عليه، وتقدمت الى المركز الثاني عربيا، وفق تقرير الأداء البيئي العالمي (EPI) لعام 2022.
وفي السياق، فإن قطاع المياه الذي يعاني من صعوبات كبرى، برغم المحاولات المستمرة لخلق مشاريع جر مائية كبرى، تعوض الفقر المائي المحلي، وبرغم الخطط والبرامج الزراعية التي تسعى الى التحول لزراعات تتكيف مع حالة الشح المائي، إلا ان المشهد لا يحمل الكثير من التباشير التي ستمكن من تجاوز هذا الفقر، جراء عدم فاعلية عمل الجهات المعنية بتفنيذ هذه الخطط، وارتباك رؤاها، وتعدد المرجعيات المعنية بالمياه والغذاء، ليقف كل ذلك عقبة في مواجهة ما نحن مقدمون عليه من أزمة غذاء في المستقبل القريب، اذا لم تتبلور رؤية واضحة وعملية وسريعة، تخفف من وطأة الوقوع في فخ هذه الأزمة.
ولعل أبرز ما يمكن أن يوضع على طاولة النقاش ومن ثم التنفيذ مباشرة، هو الذهاب الى رسم خطة لتأمين الاردن بالمياه، بتكريس آليات للحصول على أكبر كمية من المياه الهاطلة سنويا على البلاد، وتخزينها على نحو يحد من تبخرها وتفريغها، كما يحدث في السدود والحفائر حاليا، وإعادة النظر في التشريعات المتعلقة بحماية الملكيات الزراعية من التفتت، ووقف التعدي على الاراضي الزراعية والغابية عن طريق التوسع العمراني، ووضع حد لاستنزاف المياه الجوفية، والهدر المائي، باعادة بناء شبكة التوزيع المائي على نحو يوقف الهدر نهائيا، واستخدام التقنيات الجديدة في الزراعة التي تتواءم مع واقع الفقر المائي، وخلق مناخ توعوي شعبي، لحماية مواردنا المائية والزراعية.
إن أي إجراء يتعلق بحماية مواردنا المائية وتنميتها، وحمياة أراضينا الزراعية وتوسعتها، يجب أن يحتمي بتشريعات واضحة وصارمة، وخطط تحقق الاستدامة لكل مشاريعنا في هذا الجانب، وإخراجنا من دوامة الفقر المائي والغذائي.