تحدي الظروف الصعبة يصنع بدايات جديدة

يجب على الفرد مهما كانت ظروفه أن يمتلك قدرة عالية على مواجهة الفشل وتجاوز الصعاب-(أرشيفية)
يجب على الفرد مهما كانت ظروفه أن يمتلك قدرة عالية على مواجهة الفشل وتجاوز الصعاب-(أرشيفية)

منى أبوحمور

عمان- الفقر والعوز الشديدان اللذان عانتهما عائلة الأربعينية أم صلاح، وهو اسم مستعار، جعلها تتغلب على ظروفها الصعبة والبحث عن مصدر دخل يعيلها وأولادها، لا سيما وأنها أرملة وغير متعلمة.
أم صلاح التي ما تزال في العقد الثالث من العمر رفضت الاستسلام لظروفها الصعبة ولم تمد يدها للمحسنين، وبحثت عن عمل يناسبها بدون أن تضطر لترك أولادها، فكانت صناعة القش هي المهنة الوحيدة التي توجهت إليها.
تقول “بدأت بتعلم صناعة القش من إحدى الجمعيات في المنطقة التي أقطنها حتى أتقنتها”، وقامت بصناعة الصواني وعلب الفاين في منزلها، وبيعها داخل وخارج المنطقة التي تعيش بها، لافتة إلى أنها لم تكن تعتقد أنها ستكون في يوم من الأيام صاحبة مهنة مدرة للدخل. فالظروف القاسية التي مرت على أم صلاح وعانت منها وأطفالها جعل تلك الموهبة تخرج من داخلها لتحقق النجاح.
سامي الذي فقد بصره، لم يجعل ما حصل معه عائقا أمام تطوير ذاته وتحسين مستقبله، بل على العكس تماما، فحرمانه نعمة البصر هو ما زاده إيمانا وإصرارا على أن لا يكون أقل من غيره، بل كان التفوق بعمله وذكائه هو الهدف الذي حققه.
ويقول “لم أكن أخجل من كوني كفيفا وواجهت المجتمع بشجاعة”؛ حيث مارس مهنة التعليم التي تحتاج إلى شخص يتمتع بست حواس، وفق قوله، إلا أنه قوة بصيرته وإيمانه بأنه لا يمكن لأي شيء أن يكسره وأنه قادر على تخطي كل الصعاب كلها أمور جعلته متميزا في هذا المجال.
لم يقف إصرار سامي عند هذا الحد، وإنما استطاع بثقته بنفسه وإيمانه بذاته، أن يكون حياة أسرية مستقرة، وأن يكمل دراساته العليا، ويصبح أنموذجا على التحدي والثبات والإصرار وفق المحيطين به.
الثلاثيني سعد محمد لم يفقد حماسه وتفانيه في مواصله عمله ونجاحه، فبعد أن كان صاحب معرض سيارات وله سمعته في السوق، انهار كل شيء من أمامه، وعاد إلى الصفر، الأمر الذي جعله يخسر الكثير من الناس، الذين اعتاد على وقوفهم إلى جانبه، وأصبح بين يوم وليلة وحيدا، يواجه الكثير من الديون والخسائر.
ويؤكد سعد قائلا “لم أستسلم يوما، ولن أدع مثل هذه الأزمة أن تكسرني، فالرجال هم من يصنعون المال وليس العكس”، وكل ما مر به جعله أكثر قوة وصلابة وأكثر نجاحا، لا سيما وأنه تعلم من تلك الأخطاء التي تسببت في سقوطه.
وفي هذا السياق، يشير أخصائي علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان إلى أن الإنسان يمر بظروف متعددة منها ما هو مريح ومنها ما هو غير ذلك، ولا بد أن يتوقع الشخص أن يتعرض للكثير من التحديات ويستعد لها.
ولا بد للشخص أيضا، كما يقول، أن يستعد في حياته للظروف كافة، موضحا أنه كل ما كان الفرد متهيئا لما قد يمر به من تغيير لظروفه، كل ما كان أكثر قدرة على مواجهتها، وأكثر قدرة على النجاح وإثبات الذات، وأن يستفيد منها وأن لا تكون سببا في إحباطه وتولد اليأس لديه.
ويلفت سرحان إلى دور الأسرة والأصدقاء في ذلك، وضرورة تواجدهم وتقديم الدعم من قبلهم ومد يد العون لمثل هؤلاء الأشخاص، خصوصا في حال تعرض الشخص إلى صعوبات جسدية كالإعاقة أو التشوهات سواء منذ الولادة أو بسبب حادث.
ويرى سرحان أن دعم هؤلاء الأشخاص في مواجهة الصعوبات، يمكنهم من الخروج من الأزمات التي يتعرضون لها بشكل أكثر قوة وصلابة والاستفادة منها، فيبنون عليها خبراتهم وتجاربهم.
ويشير إلى أن الكثير من الأشخاص في واقع الحال واجهوا العديد من الصعوبات واستطاعوا الخروج منها بقوة وصلابة، واستفادوا منها وبنوا عليها حياتهم وكيفوا أنفسهم مع الواقع الجديد.
أما على صعيد علم النفس، فيؤكد أخصائي علم النفس الدكتور موسى مطارنة أن هؤلاء الأشخاص يملكون طاقة وقدرات عالية جدا، ويؤمنون بالعديد من الأمور في حياتهم كعدم الاستسلام، المبادرة، المحاولة، القدرة والإرادة.
ويقيم مطارنة هذه الشخصية بأنها قادرة على مواجهة المصائب وتجاوز الصعاب والإيمان بالذات والقدرة على التحدي، ويمتلك طاقة إيجابية تذلل له الصعاب، ويعتمد بشكل كبير على قدراته الذهنية والفكرية ويركز على تحقيق هدفه.
ومثل هؤلاء الأشخاص، كما يقول، يمتلكون قدرة عالية على مواجهة الفشل وتجاوز الصعاب، وتحويلها لتمكين النفس والذات وتحقيق المعجزات، منوها إلى أن عدم التفاتهم إلى تلك الصعاب جعل منهم أشخاصا ناجحين علميا وعمليا وخلقوا في ذاتهم تصميما وإرادة ورسموا طريق نجاحهم.
ويبين أن هؤلاء الأشخاص انتزعوا النجاح انتزاعا، رغم الظروف الصعبة التي قد تلحق بهم، منوها إلى أن تمرين النفس على العطاء والإنجاز والتفكير الإيجابي، هو المساعد الحقيقي للإنسان حتى يبدع ويتجاوز الصعاب حتى وإن كان هناك ما يكدر صفو حياته، وتحقيق النجاح لا يكون إلا باتخاذ الطاقة الكامنة بالداخل وتوسيع الأفق وتعويض ما لا يملكه الشخص.
ويشدد سرحان على أهمية القناعة والإيمان بالذات والثقة بالنفس والاستفادة من تجارب الآخرين والاطلاع على نماذج من هؤلاء الناس.
ويرى أن على الأشخاص المحيطين بمثل هذه الشخصيات إعطاؤهم الدافع، بضرب أمثلة لهم لأشخاص تعرضوا لظروف صعبة وكانوا أكثر نجاحا من الذين يعيشون بظروف أفضل بكثير.

اضافة اعلان

[email protected]