تحذيرات من انعكاسات استمرار انهيار القطاع الزراعي

مزارع يقوم بإلقاء محصول الباذنجان على الأرض في إحدى مزارع وادي الأردن بدلا من التعرض لخسائر تسويقه-(الغد)
مزارع يقوم بإلقاء محصول الباذنجان على الأرض في إحدى مزارع وادي الأردن بدلا من التعرض لخسائر تسويقه-(الغد)

حابس العدوان

الأغوار الوسطى – مواسم عجاف لم تبقِ شيئا، اكلت الاخضر واليابس، وحمّلت مزارعي وادي الأردن من الديون ما لا طاقة لهم بها، حتى حرمتهم من مواصلة عشقهم للزراعة الذي توارثوه عن الاباء والاجداد.اضافة اعلان
القطاع الزراعي يبقى كما يشير مزارعون ومعنيون الخاسر الاكبر جراء الاحداث الدائرة في دول الجوار، والتي تسببت باغلاق الحدود ووقف تدفق الإنتاج الزراعي  الى اهم الاسواق التصديرية.
ويؤكد المزارع بشير النعيمات ان "خسارته هذا الموسم تجاوزت 60 الف دينار، وان العمال يرفضون العمل لحين الحصول على اجورهم البالغة 4 الاف دينار"، متسائلا "كيف يمكنني مواصلة العمل وانا ابيع صندوق البندورة
بـ 55 قرشا، فيما تبلغ كلفة تسويقه 87 قرشا اي بخسارة 32 قرشا بالصندوق الواحد؟".
ويوضح النعيمات  "قمت بزراعة 28 بيتا بلاستيكيا وما يزال المحصول في بداية انتاجه، وها انا لا استطيع جني المحصول وبيعه كي اتحمل خسائر تضاف على كلف الانتاج، كما انني لا استطيع حاليا توفير اجور العمال لدفعهم الى مواصلة العمل"، قائلا "إن التاجر الذي مولني هذا الموسم يرفض مواصلة الدعم في ظل ما يشهده السوق من تدن في الاسعار".
ويشير النعيمات الى انه سيضطر الى اعادة الارض المستأجرة الى اصحابها والتوقف عن العمل قبل انتهاء الموسم لان استمراره سيضعه بمواجهة السجن او بيع ممتلكاته لسداد الديون، موضحا انه كغيره من المزارعين منذ اربعة مواسم يتعرضون للخسارة ولم يتبقَ لديهم أي مقومات لبدء موسم جديد.
التراجع المطرد للقطاع الزراعي خلال السنوات الماضية نتيجة استمرار اغلاق الحدود مع  سورية والعراق اللتين تعتبران السوق الرئيس للانتاج الزراعي الأردني، اثر بشكل كبير على حياة المزارعين اقتصاديا واجتماعيا ودفعهم الى انهاء موسمهم قبل نهايته بأشهر.
ويصف المزارع جمال المصالحة أن "ما يمر به القطاع الزراعي منذ اربعة مواسم ماضية هو عبارة عن موت بطيء وصلنا الى نهايته"، موضحا ان المزارع كان ينهض من كبوته عقب كل خسارة ليستدين من جديد ويزرع ارضه على امل ان تأتي اسعار جيدة تمكنه من سداد ديونه، الا ان الموسم الحالي جاء ليجهز على ما تبقى لديهم من امال.
ويرى المصالحة انه لا توجد اية بوادر على انفراج الاوضاع، فالاسواق التصديرية ما تزال مغلقة والحكومة ما تزال تصم اذانها رغم صيحات المزارعين، لافتا الى ان هذا الأمر سيؤدي في النهاية الى انهيار القطاع الزراعي بشكل عام.
وتشير ارقام المسوحات الاجتماعية التي اجرتها مكاتب صندوق المعونة الوطنية في لواءي ديرعلا والشونة الجنوبية الى ازدياد عدد المنتفعين خلال السنوات الماضية، معللة ان هذه الزيادة جاءت نتيجة تراجع القطاع الزراعي الذي يعتبر مصدر الدخل الرئيس لغالبية ابناء وادي الأردن، وانعكاسات هذا التراجع على عمل الافراد وخاصة الفتيات اللاتي يعتمدن على العمل الزراعي لإعالة اسرهن.
ويؤكد المحامي فيصل مناور السعايدة ارتفاع  عدد الدعاوى القضائية ضد المزارعين في المنطقة من قبل أصحاب المؤسسات والشركات الزراعية، بسبب عدم مقدرتهم على دفع أثمان المستلزمات الزراعية التي استدانوها لنهاية الموسم.
 وحذر المحامي السعايدة  من الآثار السلبية التي ستنعكس سلبا على هذه الشريحة (صغار المزارعين)، وبالتالي المجتمع بأسره، لافتا إلى أن "توقف المئات من صغار المزارعين عن الزراعة نتيجة ملاحقتهم قضائيا أو بسبب عدم وجود تمويل من الشركات الزراعية يعني تشرد ضعف العدد من الأسر، وانتشار الزراعات الممنوعة وعدد المتعاطين وارتفاع نسبة الجريمة، إضافة إلى انعكاساتها التربوية وزيادة نسبة الأمية.
ويشير دكتورعلم النفس في الجامعة الهاشمية  نزار شموط إلى "خطورة الصراع الدائر  في الدول المجاورة، والذي أثر على مختلف القطاعات بما فيها القطاع الزراعي، داعيا الى وجود رقابة صارمة وبدائل حقيقية لانقاذ هذا القطاع الهام قبل وقوع كوارث اقتصادية واجتماعية".
ويؤكد التاجر احمد المصالحة، أن" الموسم الحالي هو أسوأ موسم يشهده وادي الأردن منذ عشرات السنين"، لافتا الى ان الخسائر الكبيرة طاولت جميع أطراف القطاع الزراعي بدءا من المزارع الى التاجر الى المصدر وتاجر المواد الزراعية والشركات الزراعية، إضافة إلى الانعكاسات الخطيرة على العمالة الزراعية الأردنية".
ويشير المصالحة الى ان مجموع الدعم الذي قدمه للمزارعين خلال الموسمين الماضيين فاق المليون دينار ولم يسترجع الى الان سوى 20 % منها، موضحا انه اضطر هذا الموسم الى دعم نفس المزارعين على امل ان يسترد امواله الا ان الخسائر الكبيرة التي منوا  بها زادت الامور سوءا.
وبمعادلة بسيطة يبين المصالحة ان كلفة جمع الصندوق ونقله وثمن الصندوق الفارغ واجور الكمسيون والبلدية تبلغ 65 قرشا، فيما يباع الصندوق في السوق ما بين نصف دينار ودينار للبندورة والكوسا والباذنجان أي ان بعض المزارعين سيدفعون من جيوبهم لتغطية كلفة التسويق، واخرون سيتبقى لهم ما يقارب من 30 قرشا، متسائلا كيف سيتمكن المزارع من تغطية تكاليف الإنتاج او سداد الديون او حتى على الاقل توفير مصاريف عائلته.
ويرجع المصالحة ما يمر به القطاع الزراعي حاليا الى عدم وجود سياسة واضحة تضمن انسياب المنتوجات الزراعية الى الاسواق التصديرية، موضحا انه وحتى مع فتح الاسواق السورية والعراقية فان الامور لا يمكن التكهن بها.
 ويرى المصالحة، ان تعرض المزارعين لاضرار الصقيع لثلاث مرات متتالية هذا الموسم فاقم من مشكلة الديون لان التجار اضطروا لاقراضهم لتمكينهم من الزراعة مجددا، على امل ان يتمكنوا من السداد في حين وقفت الحكومة موقف المتفرج ولم تحرك ساكنا لانقاذهم، لافتا الى ان كلفة تمويل التجار للمزارعين تجاوزت 25 مليون دينار استطاع المزارعون تسديد ما يقارب من 5 ملايين وما تبقى ما يزال دينا عليهم.
هذا الأمر دفع التجار الى رفع دعاوى قضائية بحق المزارعين لتحصيل حقوقهم لانهم كما يشير المصالحة هم ايضا ملاحقون من قبل الشركات الزراعية التي تطالبهم باثمان مستلزمات الإنتاج التي زودوا بها المزارعين، مؤكدا ان تراجع الاوضاع بهذا الشكل دفع بـ70 تاجرا من اصل 90 الى اغلاق محلاتهم التجارية في سوق العارضة المركزي.
ويؤكد تجار ان حجم التداول في سوق العارضة المركزي تراجع بشكل كبير خلال المواسم الثلاثة الماضية ليصل الى 15 مليون دينار خلال الموسم الحالي، مقارنة بحجم يتراوح ما بين 60 – 70 مليون دينار خلال المواسم التي سبقت الأحداث في دول الجوار، مشيرين الى ان هذا التراجع دفع بعض التجار الى إغلاق محالهم التجارية والتوقف عن دعم المزارعين، كما سيدفع المزيد من المزارعين الى هجر مهنة الزراعة بشكل نهائي، في الوقت الذي كان على الحكومة ان توجه المزارعين الى عدم الزراعة في ظل هذه الظروف.
ويبين تاجر المواد الزراعية نواش العايد انه توقف عن العمل منذ ما يقارب الشهر لعجزه عن سداد التزاماته للشركات الزراعية والوكلاء، مبينا ان مجموع ديونه لتجار الكمسيون والمزارعين يقارب مليون دينار فيما لا تتجاوز نسبة السداد 10 %.
 ويوضح العايد ان القطاع الزراعي مكون من سلسلة تعتمد كل حلقة منها على الأخرى واي ضرر يلحق باحداها سيلحق الضرر ببقية الحلقات، مبينا ان الموسم الحالي كشف عن مدى الضرر الذي لحق بجميع أطراف القطاع وخاصة الشركات الزراعية التي يفوق حجم مديونيتها على القطاع 350 مليون دينار.
من جانبه، يؤكد مدير سوق العارضة المركزي المهندس احمد الختالين ان ما يشهده السوق من انخفاض كبير في الاسعار قارب  70 %  يعد الاسوأ لهذا الموسم، لافتا الى ان انعدام حركة التصدير تسبب بتدني الاسعار الى ما دون الكلف ما تسبب بخسائر كبيرة للمزارعين.
ويرى الختالين ان استمرار هذا التراجع سيبكر في انهاء المزارعين لموسمهم الزراعي في سبيل ايقاف  خسائرهم، مشيرا الى ان الموسم الحالي يعد من اسوأ المواسم التي شهدها سوق العارضة المركزي.
بدوره يرى رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام  ان الموسم الحالي هو الاسوأ منذ عشرات السنين وان القطاع الزراعي وصل الى منعطف خطير سيحدد بقاءه او زواله، لافتا الى ان الحل الادني يتمثل في دعم المزارع وتعويضه وتاجيل القروض وفوائدها لمدة عامين على اقل تقدير.
من جانبه، يبين مساعد امين عام وزارة الزراعة للتسويق والمعلومات الدكتور صلاح الطراونة ان ما يمر به القطاع الزراعي في وادي الأردن حاليا، هو نتيجة وجود انتاج كبير يفوق حاجة السوق المحلية والاسواق التصديرية، الامر الذي ادى الى تدني اسعار البيع الى ما دون الكلف، لافتا الى ان اغلاق الاسواق الرئيسة لتصدير الخضار في سورية والعراق اسهم بشكل كبير في هذا التدني.
ويشير الطراونة الى ان الوزارة معنية بحماية المزارع وخدمته والدفاع عن مصالحه ولم تتوان في تقديم ما امكن في سبيل ذلك، موضحا ان الوزارة قامت بجهود كبيرة لفتح اسواق جديدة نتج عنها فتح الاسواق الخليجية التي تستوعب كميات كبيرة من الانتاج الخضري والعمل جار على فتح السوق الروسية.
ويوضح الطراونة ان انتاج الوادي اليومي يصل الى 2000 طن يستهلك منها محليا ما بين 500 - 600 طن يوميا، ويصدر منها ما بين 700 – 800 طن يوميا، ما يعني ان هناك فائضا يقارب  600 طن يوميا، مبينا ان نسبة انخفاض الصادرات الزراعية لعام 2015 بلغت 11 % مقارنة بعام 2014 وهو رقم ليس بالكبير في ظل الاوضاع التي تمر بها المنطقة.
وبحسب الطراونة فان الوزارة قامت هذا العام بحماية 26 منتجا زراعيا من المنافسة، من خلال وقف استيراد هذه الاصناف ما حافظ على اسعارها ضمن مستويات جيدة، مشددا على اهمية تضافر كافة الجهود لانقاذ ما يمكن انقاذه هذا الموسم.
توجيه وتنظيم الانتاج يبقى الحل الافضل في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة، وفق الطراونة الذي اشار الى ان الوزارة عقدت سلسلة ورشات عمل لهذا الغرض وهناك توجه الى عقد ورشات جديدة بالتعاون مع اتحاد المزارعين لدفع المزارعين الى توجيه انتاجهم الى الزراعات الاقتصادية وعدم زراعة كميات تفوق حاجة الاسواق المحلية والتصديرية.
يذكر ان وزارة الزراعة كانت  خاطبت وزارة التخطيط لدعم القطاع الزراعي، من خلال دعم النقل الجوي ودعم مصانع رب البندورة بتنظيم استيراد رب البندورة وتوفير مصادر الطاقة البديلة لها بما يضمن منافستها للانتاج المستورد.
[email protected]