تحرش

د. لانا مامكغ

خرج من القاعة غاضبا متعبا وهو يقول لنفسه: " كان من الممكن إنهاء الاجتماع في ربع ساعة على الأكثر، لكن مديرنا الفذ الهمام يعشق الإطالة والاستطراد والإسهاب إلى درجة قاتلة، حجزنا ساعتين بلا مبرر، وهنا نحن نخرج أخيرا لنغوص في عز الأزمة مع الجوع والإرهاق والحر… كان الله في العون!

اضافة اعلان

بعد أمتار قليلة من المبنى، وعند إحدى الإشارات الضوئية المزدحمة، رآها واقفة تحت أشعة الشمس الحارقة تتلفت حولها بحيرة، حاول تذكر أين رآها، فأدرك أنها من موظفات المؤسسة إذ لمحها في الاجتماع الأخير، فما كان منه سوى أن فتح النافذة ليناديها بقوله: "يا أختي، أنا جاهز لتوصيلك، تفضلي"

هنا، فوجئ بوجهها يتغير ويكفهر لتصيح بغضب: " كيف تسمح لنفسك صحيح أنك بلا أخلاق، هل تحسبني منهن؟ "

لجمته المفاجأة من ردة فعلها، ولم يجد أي كلمة للتبرير، فظل واقفا بذهول إلى أن فتحت الإشارة أخيرا، ومضى وهو يلوم نفسه على فروسية من تكن في مكانها، وعلى لحظة شهامة لم يكن لها أي داع، في الوقت الذي تساءل فيه بحرقة: "لماذا لم تعتذر بهدوء ولباقة بدل هذا الهياج؟"

في صباح اليوم التالي، وفي اللحظة التي دخل فيها مكتبه، لاحظ أن زملاءه يرمقونه بنظرات غريبة لم يعرف لها سببا، إلى أن اقترب منه أحدهم ليهمس في أذنه بنبرة ساخرة: "ألم تجد غيرها يا صاحبي مخلوقة ليس فيها ما يلفت نظر أي رجل، صحيح إن ذوقك عجيب!"

فانتفض ليصرخ: " ما بك؟ عمن تتحدث ؟ قلْ بأعلى صوتك أرجوك… "

فقال آخر: "الزميلة إياها، ملأت المؤسسة بخبر تحرشك بها يوم أمس، ومحاولتك استدراجها إلى سيارتك.. ووصفت للجميع كيف نجحت في صدك، وإيقافك عند حدك، حسب تعبيرها…"

شعر بالأرض تميد تحت قدميه، فرمى بنفسه على أقرب مقعد وهو يردد بهذيان: "من هي؟ أقسم أني لا أعرف اسمها، ولا أحفظ شيئا من ملامحها"

مضى زمنٌ على تلك الحادثة، لكن يقال إنه ما يزال يعاني من نوبات غضب تصيبه بلا سبب بين الحين والآخر، في الوقت الذي لفتت فيه هي أنظار كل من في المؤسسة... وأثارت اهتمام بعض الراغبين في الزواج من ذات الخلق والأدب والاستقامة.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا