تحرير الموصل بمعايير إيرانية

يحب الجميع، بلا أي استثناء، الحديث عن جيش عراقي وطني يتولى، مباشرة أو بالخضوع الصارم لأوامره، المعركة الدائرة الآن في الموصل، لتحريرها من تنظيم "داعش" الإرهابي.اضافة اعلان
لكن في دوافع هذا الخطاب، يبرز فريق يتحدث عن هكذا جيش وطني، بعقيدته وليس بزيه العسكري، من باب الأمنيات التي تعني تحرير المدينة وحماية أهلها، بما يسمح تالياً بإعادة إعمارها، وبالنتيجة إعادة إعمار العراق ككل؛ ليس مادياً فقط، بل أهم من ذلك معنوياً، عبر إعادة اللحمة الاجتماعية الوطنية.
في المقابل، هناك الفريق الآخر الذي يتبنى مسمى "الجيش العراقي" ويحرص عليه، إنما فقط باعتباره غطاء للمليشيات الطائفية المدعومة من إيران (تماماً على نحو ما يجري في سورية باسم "الجيش العربي السوري")، وبما يسمح لهذه المليشيات باجتياح الموصل، وتنفيذ وعودها المعلنة صراحة، كما جاء مثلاً على لسان زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، بممارسة التطهير العرقي بحق سكان المدينة الذين هم برأيه أحفاد بني أمية، انتقاماً للحسين بن علي، وأيضاً بما يماثل ما يتم في سورية.
وإزاء حقيقة أن الفريق الإيراني الطائفي هو المتحكم على الأرض، يصير عبثياً بالتأكيد السؤال الشائع عن اليوم التالي لـ"تحرير" الموصل، وما إذا كان سيمثل نقيضاً للسياسات الطائفية التي أنتجت "داعش" أساساً. ذلك أن هذا "التحرير" إذ تحدده إيران ومليشياتها، فإنه لا يمكن إعلانه من دون تهجير سكان الموصل السُنّة، إن لم تكن إبادتهم ممكنة.
هكذا، يبدو السيناريو الأنسب لملالي طهران ومليشياتهم تمسك "داعش" بالموصل لأطول فترة ممكنة، بما يسمح بإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا المدنيين، وإلا فإجبارهم على مغادرة المدينة، بذريعة محاربة التنظيم. لكن النتيجة ذاتها ستبقى مستمرة وفق السيناريو النقيض؛ أي حتى لو قرر "داعش" الانسحاب من الموصل. إذ في هذه الحالة ستدّعي إيران حتماً، وبلا أدنى شك، أن مقاتلي التنظيم اختبأوا وذابوا بين أهل الموصل، وبما يسمح فقط بمواصلة العمليات العسكرية المستهدفة للمدنيين.
ولعل البعض يمنّي النفس بأن التحالف الأميركي-الإيراني الفعلي والعلني في عملية "تحرير" الموصل، قد يردع طهران ومليشياتها عن تكرار جرائم الإبادة التي ارتكبتها عقب "تحرير" مدن عراقية أخرى سابقاً. لكن تكفي نظرة إلى استعدادات المنظمات الدولية للتعامل مع التبعات الإنسانية للعمليات العسكرية في الموصل، لإدراك أن الولايات المتحدة لا تبالي أبداً بما سيجري أثناء وعقب سعي إدارة باراك أوباما إلى إحراز نصر عسكري ضد "داعش"، قبل مغادرتها البيت الأبيض.
إذ رغم إطلاق هذه المنظمات مبكراً نداءات استغاثة متعددة لتوفير الإمكانات للتعاطي مع نزوح قرابة مليون عراقي من الموصل خلال العمليات العسكرية، فإنه يجري الحديث الآن عن توفر عشرات آلاف الخيم فقط، ناهيك عن أي احتياجات أساسية أخرى. هذا عدا عن تقبل أميركا لتكرار الحقيقة الأخرى الموثقة دولياً خلال عمليات "تحرير" سابقة، والمتمثلة في أن "المحظوظين جداً" الذين يصلون إلى هذه الخيام، هم في غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، فيما يتم اقتياد الرجال إلى جهات كانت تسمى "مجهولة"، ونعرف الآن يقيناً أنها مراكز تعذيب حتى الموت تتولاها المليشيات الطائفية الإيرانية.