تحرير قراقوش لم يقنع مسيحيي الموصل المهجرين للأردن بالعودة

أفراد عائلة مسيحية عراقية مهجرة في مركز سيدة السلام في عمان -(تصوير: محمد أبو غوش)
أفراد عائلة مسيحية عراقية مهجرة في مركز سيدة السلام في عمان -(تصوير: محمد أبو غوش)

نادين النمري

عمان- لأول مرة منذ عامين وأربعة أشهر، تقرع أجراس كنائس بلدة قراقوش، القريبة من الموصل في العراق، بعد أن تم تحريرها من مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي.اضافة اعلان
 ورغم متابعة مهجري الموصل من المسيحيين، ممن لجأوا إلى الأردن عقب سيطرة "داعش" على قراهم منذ العام 2014، للأخبار القادمة من قراهم، فإنهم يؤكدون أن "لا عودة لنا إلى العراق، لقد فقدنا الوطن"، وكان لسان حالهم يقول "لمن تقرع الأجراس".
يقول مهجرون، التقت بهم "الغد" أمس بعد توارد أنباء تحرير عدد من القرى المسيحية في العراق، واقتراب تحرير الموصل: "نتمنى الخير للعراق الموجوع، لكننا لم نفرح، ربما لو حررت قبل ذلك لكانت فرحتنا أكبر، لكننا اليوم لن نعود، ليس هناك ما نعود إليه".
منذ آب (اغسطس) 2014  قدم الى المملكة نحو 2200 عائلة، بمجموع 11 الف مهجّر مسيحي عراقي، بدعوة من الكنيسة الكاثوليكية، التي وفّرت لهم في قاعات الكنائس والأديرة مأوى مؤقتاً، في حين قدّمت جمعية كاريتاس المساعدات، وتمكنت نسبة منهم من مغادرة الأردن، بعد أن حصلوا على فرص اعادة توطين في بلد ثالث، واغلبهم قصد استراليا.
يقول مدير جمعية الكاريتاس وائل سليمان لـ"الغد" ان نحو 90 % من مهجري العراق المسيحيين في الأردن لديهم طلبات اعادة توطين في الخارج. مشيرا الى ان 650 عائلة من المهجرين سبق وان تم اعادة توطينها في الخارج، وفي الغالب في استراليا، وهم من اصل 2200 عائلة كانت مسجلة في المملكة حتى نهاية العام الماضي، موضحا انه تم استقبال اعداد مماثلة من المسيحيين من المهجرين لكردستان العراق في الاردن العام الحالي ليحلوا محل من تم اعادة توطينهم في الخارج.
يأمل من تبقى من مسيحيي الموصل المقيمين في الأردن الحصول على ذات الفرصة بإعادة التوطين، حيث لم تؤثر الأخبار الواردة من العراق، على رغبتهم في الهجرة "فليس هناك ما يستحق العودة له" يقول رامي كرم (19 عاما).
يضيف كرم: "تابعت الاخبار القادمة من قراقوش، لا يعني الامر شيئا.. خسرت الكثير، وقت سيطرة "داعش" كنت استعد للتقدم لامتحان الثانوية العامة، تم طردنا واقمنا كلاجئين في كردستان العراق، لم يكن الوضع هناك جيدا، قبل أربعة أشهر اتخذت عائلتي قرار الانتقال إلى الأردن، ونحن الآن نسير بإجراءات اللجوء إلى استراليا".
يبدو كرم في حديثه أكثر حماسة تجاه مستقبله في أستراليا، ويقول "هناك.. الفرصة للعودة إلى مقاعد الدراسة، والعمل وبدء حياة جديدة"، اما العراق فيذكره فقط بمنزله، الذي نهب وممتلكات عائلته التي سرقت، والأهم من ذلك، بدراسته التي حرم منها.
أما فادية عيسى، والتي قدمت إلى الأردن قبل عام ونصف، فتقول: "نحن من قرية اسمها بعشيقة، لم يتم تحريرها بعد تخضع القرية اليوم لقصف من القوات التركية، وعاث بها "داعش" فسادا ودمارا قبل ذلك".
وتتابع: "إلى أين نعود؟ منازلنا دمرت ولم يبق لنا شيء".
بعد ان أمضت فادية وعائلتها عدة أشهر في إقليم كردستان، قررت العائلة القدوم إلى الأردن، وتقول: "تمت استضافتنا بكرم في الأردن، الكنيسة والجيران.. بدا الجميع مضيافا وكريما، لكن هذا يبقى وضعا مؤقتا، أبنائي دون دراسة ولا عمل، نأمل أن يتم إعادة توطيننا في بلد آخر، أتمنى أن تكون أستراليا فغالبية من نعرفهم ذهبوا إلى هناك".
وتضيف عيسى: "ربما لو حررت الموصل قبل ذلك لكانت الفرحة أكبر، أتمنى الخير والاستقرار لبلدي الموجوع، ربما في المستقبل أود زيارته لكني لن أعود للاستقرار هناك".
بشار أثير يشارك سابقته نفس المشاعر، يقول: "ابحث اليوم عن بلد جديد أعيش فيه لإعادة بناء ذاتي ومعنوياتي، لم يعد لنا في العراق شيء".
ويضيف: "بكل تأكيد تهمني الأخبار الواردة من هناك.. ويوما ما سأعود لكن للزيارة فقط".
من ناحيته يقول مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، وراعي كنيسة ناعور للاتين الأب رفعت بدر أن كنيسة ناعور استضافت نحو 11 عائلة مهجرة من الموصل، وتم إعادة توطين 6 عائلات منها في أستراليا، في حين يسير البقية في اجراءات اعادة التوطين.
ولا يتوقع الاب بدر ان يكون هناك أي مهجر من الموصل يرغب في العودة إلى العراق الآن، "فهم يسعون لإعادة التوطين في بلد ثالث، وذلك لأسباب مفهومة ومعروفة".
ويقول: "نعم تم تحرير قراقوش وقرعت أجراسها، لكن الكنائس مدمرة ومحروقة والبلد خالية من سكانها المسيحيين".
ويبين بدر: "عملية التحرير الكاملة قد تطول غالبا، ليست المسألة في البناء العمراني فقط، إنما التحدي في إعادة بناء الثقة والأمان، لقد فقد المهجرون الثقة والأمان".
ورأى الأب بدر أنه حتى لو عادت أعداد قليلة من المهجرين، وغالبا سيكونون من المهجرين الذين يقيمون في كردستان العراق، فإن العودة "لن تكون فورية، كما انها تتطلب توفير ضمانات المواطن الكاملة واستعادة الحقوق والتعويض عما حل بهم".