تحقيقات جيش الاحتلال

شرع جيش الاحتلال الإسرائيلي وأذرعه "الأمنية" الأخرى، بإصدار تقارير تزعم أنها تحقيقات داخلية أجراها الجيش بنفسه، في الجرائم التي ارتكبتها عناصره في الأسابيع الأخيرة، ومنها ما أسفر عن استشهاد فلسطينيين أو إصابات خطيرة لآخرين. واعترف، مثلا، بشأن جريمة قتل الشهيدة هديل الهشلمون في الخليل، أنه "لم يكن من مبرر لقتلها". اضافة اعلان
وتحاول إسرائيل من خلال تقارير كهذه، بث أوهام بدعة "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم". إلا أن حقيقة الأمر، أن هذه التقارير تهدف إلى اختلاق "تبريرات" للجريمة الإرهابية الأكبر التي يرتكبها الاحتلال وجيشه. ومصطلح "التبرير" هنا لغرض عرض رواية الاحتلال فقط.
فقبل أيام، أعلن جيش الاحتلال أنه تبين في تحقيق داخلي أجراه، "عدم وجود داعٍ" لقتل الشابة الشهيدة الهشلمون من الخليل، مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عند أحد حواجز البلدة القديمة في المدينة. وقد أظهرت عدة أشرطة تصوير، أن الهشلمون لم تكن تنوي الإقدام على تنفيذ عملية، لكن أطلق جنود الاحتلال النار عليها لتسقط شهيدة. وقبل ذلك بأيام، أعلنت الأجهزة الإسرائيلية أيضا، "أنه لم يكن هناك داعٍ لإطلاق النار" على الشابة إسراء عابد من مدينة الناصرة، وقد أصيبت بإصابات بالغة، حينما كانت في محطة المواصلات العامة المركزية في مدينة العفولة المجاورة، قبل نحو شهر.
في هاتين القضيتين تحديداً، لعبت أشرطة التصوير غير القابلة للتأويل، دورا في إجبار الاحتلال وأذرعه على الاعتراف بجريمتهم جزئيا. لأن الاحتلال سعى فورا إلى تبرئة عناصره في الجريمتين، إذ أنهى تقريريه بالادعاء أنه في الحالتين كان بحوزة الشهيدة الهشلمون والشابة عابد سكينا، وأن الجنود شعروا "بالخطر على حياتهم"، وهذا ما لم يظهر في أشرطة التصوير.
لكن ليس فقط في هاتين الجريمتين ظهر عناصر الاحتلال يطلقون النار على عابري سبيل فلسطينيين، أو على فلسطينيين كانوا في حالة ملاحقة من عناصر استيطانية إرهابية، بمعنى أنهم لم يكونوا في وضعية هجوم أو محاولة للقيام بعملية. ومن أبرز تلك الجرائم التي وثقتها أشرطة التصوير، جريمة اغتيال الشاب المقدسي الشهيد فادي علوان مطلع الشهر الماضي. كما أنه في كل الجرائم الأخرى، كان من المؤكد أنه بالإمكان اعتقال منفذي العمليات من دون إطلاق النار والاغتيال. إلا أن كل تلك الجرائم وقعت وتقع، بموجب تعليمات إطلاق النار التي سعى إليها بنيامين نتنياهو، قبل اندلاع الهبّة الشعبية الفلسطينية بأسابيع، وتبعه ساسة وعساكر احتلال يدعون الإسرائيليين إلى حمل السلاح، بعد تسهيل وتسريع إجراءات ترخيص السلاح لكل من طلب من الإسرائيليين، لتصبح الجريمة عامة أكثر.
ومسألة "التحقيقات الداخلية" هي سيناريو مكرور منذ مدّة بعيدة، رأيناه في أعقاب كل الحروب التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني والدول العربية المجاورة. ويهدف جيش الاحتلال من هذا إلى بث مزاعم أنه "جيش نظامي خاضع لقوانين وأنظمة"، وأن "كل ما يقوم به عناصر الجيش خاضع للفحص والتحقيق"، لينسجم هذا مع المقولة الإسرائيلية بأن جيشها "هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم".
ومن أجل إكمال هذه المسرحية المفضوحة أصلا، حينما تتكاثر أصابع الاتهام والإدانة للاحتلال، يبحث الجيش عن قضايا بمستوى الحالتين السابقتين، ليحبك تقريرا ويبثه في العالم. ومن خلال هذا، فإنه يحاول "تبرير" قتل العشرات والمئات من الفلسطينيين في الشوارع. وهذه أصلا لعبة إعلامية، يحاول من خلالها حرف أنظار الرأي العام العالمي عن الجريمة الأكبر التي يرتكبها لحظة بلحظة على الأرض الفلسطينية المحتلة. وبدرجة لا أقل من الاهتمام بالرأي العام العالمي، فإن إسرائيل تحاول أن تبرر جرائمها أيضا أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويُخطئ من يعتقد أن إسرائيل لا تكترث باحتمال أن تقف ذات يوم، هي أو بعض من عناصرها، أمام هذه المحكمة، أو أن يكونوا مطلوبين لها، أو حتى لمحاكم أوروبية، تعنى بالجرائم ضد الإنسانية، رغم اختلال موازين القوى العالمية الذي يحمي إسرائيل ويتواطأ مع جرائمها.